للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يتصور، فالمراد أنهم لم تحصُل لهم الصفتان كفر متأخر عن إيمان متقدم، أي: لم يرتدوا، ويُحْتمل أن يراد أنهم لم يجمعوا بينهما ظاهرًا وباطنًا، أي: لم ينافِقوا، وهذا أوجه، ولهذا عَقَّبه المؤلف بباب علامات المنافق، وهذا من بديع ترتيبه.

وقوله: "أيُّنا لم يظلِم؟ " قال الخطّابي: كان الشرك عند أصحابه أكبر من أن يلقَّب بالظلم، فحملوا الظلم في الآية على ما عداه من المعاصي، فسألوا عن ذلك، فنزلت هذه الآية، قال في "الفتح": الذي يظهر لي: أنهم حملوا الظلم على عمومه الشّرك فما دونه، وهو الذي يقتضيه صنيع المؤلف، وإنما حملوا الظلم على العموم لأن قوله: {بِظُلْمٍ} نكرة في سياق النفي، لكن عمومها هنا بحسب الظاهر. قال المحققون: إن دخل على النكرة في سياق النفي ما يؤكد العموم ويقويه، نحو من في قوله: ما جاءني من رجل، أفاد تنصيص العموم، وإلا فالعموم مستفاد بحسب الظاهر، كما فهمه الصحابة من هذه الآية، وبيّن لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ظاهرها غير مراد، بل هو من العام الذي أُريد به الخاص، فالمراد بالظلم أعلى أنواعه وهو الشرك، وإنما فهم الصحابة حصر الأمْن والاهتداء فيمن لم يلبِس إيمانه بظلم، حتى شقَّ عليهم ذلك، والسياق إنما يقتضي أن مَنْ لم يوجد منه الظلم فهو آمن ومهتد من مفهوم الصفة، أو من الاختصاص المستفاد من تقديم لهم على الأمن، أي: لهم الأمن لا لغيرهم، كما في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: ٥] وقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون: ١٠٠] أي: قائلها هو لا غيره، وقوله: {بِظُلْمٍ} التنوين فيه للتعظيم، وقد بين ذلك استدلال الشارع بالآية الثانية، فالتقدير لم يلبِسوا إيمانهم بظلم عظيم، أي: بشرك إذ لا ظلم أعظم منه، وقد وَرَد ذلك صريحًا في قصة الخليل عليه السلام، من طريق حَفْص بن غِياث عن الأعْمش ولفظه، قلنا: يا رسول الله أيُّنا لم يظلم نفسه؟ قال: "ليس كما تقولون، بل لم يلبسوا إيمانهم بظلم

<<  <  ج: ص:  >  >>