في العلامات رواية الأربعة، ومناسبة الترجمة لما قبلها هي أنه لما قَدّم أنّ مراتب الكفر متفاوتة، وكذلك الظلم، أتْبَعه بأن النفاق كذلك.
وقيل: مناسبة هذا الباب لكتاب الإِيمان هي أن النفاق علامة عدم الإِيمان، أو ليُعلم منه أن بعض النفاق كفر دون بعض، فإن النفاق لغةً: مخالفة الباطن للظاهر، فإن كان في اعتقاد الإِيمان فهو نفاق الكفر، وإلّا فهو نفاق العمل. ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت أفراده وفي الاصطلاح هو الذي يُظهر الإِسلام ويُبطن الكفر، أو هو الدخول في الإِسلام من وجه، والخروج عنه من وجه آخر. قيل: إنه مشتق من نافِقاء اليُربوع، فإن إحدى جُحْريه يقال له النافقاء، وهو موضع يُرقِّقُه بحيث إذا ضَرَب رأسه عليه ينشَقّ، وهو يكتمه ويُظْهر غيره. وإذا أتى الصائد إليه من قبل القاصعَاء، وهو جُحره الظاهر الذي يَقْصع فيه، أي: يدخل، ضَرَب النافقاء برأسه فانتفق، أي: خرج، فكما أن اليربوع يكتم النافقاء ويظهر القاصعاء، فكذلك المنافق يكتم الكفر ويظهر الإِيمان، أو يدخل في الإِيمان من باب ويخرج من آخر.
ويناسبه وجه آخر. وهو أن النافقاء ظاهرهُ، يُرى كالأرض، وباطنه الحفرة فيها، فكذا المُنافق. وقيل: المنافق مشتق من النَّفق وهو السّرَب تحت الأرض، يراد أنه يستتر بالإِسلام كما يستتر صاحب النفق به.
والمنافق من المفاعلة، وأصلها أن تكون بين اثنين، ولكنّها هنا من باب خادَعَ وراوَغَ. أو يقال: لأنه يقابل بقَبُول الإِسلام منه، فإن عُلِم أنه منافق، فقد صار الفعل من اثنين، وسمي الثاني باسم الأول مجازًا للازدواج. كقوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: ١٩٤].