ويبين المراد بالرفع حديث مسلم عن أبي سعيد، قال:"فجاء رجلان يحتقّان" بتشديد القاف، أي: يدعي كل منهما أنه المحق "معهما الشيطان" فدل على أن المخاصمة مذمومة، وأنها سبب في العقوبة المعنوية، أي: الحرمان، وأن المكان الذي يحضره الشيطان ترفع منه البركة والخير، وإنما كانت المخاصمة في طلب الحق مذمومة لوقوعها في المسجد، وهو محل الذكر لا اللغو، وفي الوقت المخصوص بالذكر لا اللغو وهو شهر رمضان، فالذم لما عرض فيها لا لذاتها، ثم إنها مستلزمة لرفع الصوت، ورفعه بحضرته عليه الصلاة والسلام منهي عنه، لقوله تعالى:{لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ... وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.
ومن هنا تتضح مناسبة هذا الحديث للترجمة ومطابقتها له، وقد خفيت على كثير من العلماء، فإن قيل:{وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} يقتضي المؤاخذة بالعمل الذي لا قصد فيه، فالجواب: إن المراد وأنتم لا تشعرون بالإحباط، لاعتقادكم صغر الذنب، فقد يعلم المرء الذنب، ولكن لا يعلم أنه كبيرة، كما قيل في قوله:"إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير" أي: عندهما، ثم قال:"وإنه لكبيرٌ" أي: في نفس الأمر.
وأجاب أبو بكر بن العربي بأن المؤاخذة تحصلُ بما لم يُقصد في الثاني إذا قصد في الأول، لأن مراعاة القصد إنما هي في الأول، ثم يسترسل حكم النية الأولى على مؤتنف العمل، وإن عزب القصد خيرًا كان أو شرًا.
وقوله:"وعسى أن يكون خيرًا" أي: وإن كان عدم الرفع أزيدُ خيرًا وأولى منه، لأنه متحقق فيه، لكن في الرفع خير مرجو، لاستلزامه مزيد الثواب، لكونه سببًا لزيادة الاجتهاد في التماسها، وإنما حصل ذلك ببركة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
وقوله:"في السبع والتسع .. إلخ" في أكثر الروايات بتقديم السبع التي أولها السين، وفيها إشارة إلى أن رجاءها في السبع أقوى للاهتمام