وهذا الحديث أخرجه البخاري هنا وفي التفسير عن إسحاق بن إبراهيم، وفي الزكاة مختصرًا عن عبد الرحيم، ومسلم في الإيمان عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، وابن ماجه في السنة بتمامه، وفي الفتن ببعضه عن أبي بكر بن أبي شيبة، وأبو داود في السنة عن عثمان، عن جرير، والنسائي في الإيمان عن محمد بن قُدامة، وفي العلم عن إسحاق بن إبراهيم مختصرًا من غير ذكر سؤال السائل، ومسلم من حديث عمر بن الخطاب ولم يخرجه البخاري لاختلاف فيه على بعض رواته، وأبو داود عنه في السنة يزيد وينقص، والترمذي في الإيمان، وقال: حسن صحيح.
ثم قال المصنف:"باب"
كذا هو بلا ترجمة في رواية كريمة وأبي الوقت، وسقط لفظ باب من لفظ أبي ذرٍّ والأصيلي، ورجح النووي الأول، قائلًا: إن الترجمة -يعني سؤال جبريل عن الإيمان- لا يتعلق بها هذا الحديث، فلا يصح إدخاله فيه.
قال في "الفتح": نفي التعلق لا يتم هنا على الحالتين، لأنه إن ثبت لفظ باب بلا ترجمة فهو بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله، فلا بد له من تعلق به، وإن لم يثبت فتعلقه به متعين، لكنه يتعلق بقوله في الترجمة:"جعل ذلك كله دينًا" ووجه التعلق أنه سمى الدين إيمانًا في حديث هرقل المذكرر في الباب هنا، فيتم مراد المؤلف يكون الدين هو الإيمان.
قلت: الحديث الأول فيه أن الدين يطلق على الثلاثة، وحديث هرقل دل على أن الإيمان يطلق على الدين، لقوله فيه:"وكذلك الإيمان" بعد قوله: "سخطة لدينه" فلم يتحد المراد من الحديثين، فإن قيل: لا حجة فيه لأنه منقول عن هرقل، وهو غير مؤمن، فالجواب: إنه لم يقله من قِبَل رأيه، وإنما رواه عن الكتب السالفة من كيتب الأنبياء، وفي شرعهم كان الإيمان دينًا، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ، وأيضًا فهرقل قاله بلسانه الرومي، وأبو سفيان عبر عنه بلسانه العربي، وألقاه إلى ابن عباس، وهو من علماء اللسان، فرواه عنه، ولم ينكره، وتداولته العلماء، فدل على أنه صحيح لفظا ومعنى.