للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقطة تكون من النطفة. وقيل: سمي بذلك لأنه وضع في الجسد مقلوبًا.

وقوله: "إذا صلَحت وإذا فسدَت" بفتح عينهما، وتضم في المضارعٍ، وبضم عين صلح في الماضي أيضًا، والتعبير بإذا لتحقق الوقوع غالبًا، وقد تأتي بمعنى إن كما هنا، وخص القلب بذلك لأنه أمير البدن، ويصلاح الأمير تصلح الرعية، وبفساده تفسد، ولذا ورد في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام رأى رجلًا يكثر الحركة في صلاته، فقال: "لو خَشَعَ قلب هذا لخشعت جوارحه" ومنه تظهر القُوى، وتنبعث الأرواح، وينشأ الإدراك، ويبتدىء التعقل.

واستدل به على أن العقل في القلب، وهو قول الجمهور، ويدل عليه قوله تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} قال المفسرون: أي: عقل، وعُبِّر عنه بالقلب لأنه محل استقراره. وقال أبو حنيفة: في الدماغ، ووافقته الأطباء محتجين بأنه إذا فسد الدماغ فسد العقل، ورد هذا بان الدماغ آلة عندهم، وفساد الألة يقتضي فساده.

وفي الحديث تنبيه على تعظيم قدر القلب، والحث على صلاحه، والإشارة إلى أن لطيب الكسب أثرًا فيه، والمراد المعنى المتعلق به من الفهم الذي ركبه الله فيه، وقد عظم العلماء موقع هذا الحديث وعدوه من الأحاديث الأربعة التي عليها مدار الإِسلام المنظومة في قول القائل:

عُمدةُ الدين عندَنا كلماتٌ ... مسنداتٌ مِن قولِ خير البريّهْ

اتَّقِ المُشْبهاَتِ وازْهَدْ ودَعْ ما ... ليسَ يعنيكَ واعمَلَّنْ بنيّه

وقد تكلمنا على هذا في أول الكلام على حديث: "إنما الأعمال بالنيات" وذكرنا هناك أن أبا داود أبدل حديث الزهد بحديث: "لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه".

وقال في "الفتح" هنا: إنه أبدله بحديث: "ما نهيتكم عنه

<<  <  ج: ص:  >  >>