وقوله:"غير خزايا" بنصب غير على الحال، وروي بالكسر على الصفة، وأنكره الأُبيّ قائلًا: إنه يلزم منه وصف المعرفة بالنكرة، إلا أن تُجعل الأداة في القوم للجنس، كقوله:
وَلَقَدْ أمرُّ على اللئيمِ يسبُّني
وعلى رواية الكسر فالأولى أن تعرب بالبدل، ويؤيد الأول رواية المصنف في "الأدب المفرد" عن أبيِ جَمْرة: "مرحبًا بالوفد الذين جاؤوا غيرَ خزايا ولا ندامى"، وخزايا جمع خزْيان على القياس، وهو الذي أصابه خِزْي، والمعنى: أنهم جاؤوا غير أذلاء، أو غير مستحيين لقدومهم مبادرين دون حرب أو سبي يخزيهم ويفضحهم فيوجب استحياءهم.
وقوله:"ولا ندامى"، قال الخطابي: أصله نادمون جمع نادم؛ لأن ندامى إنما هو جمع ندمان، أي: المنادم في اللهو، قال الشاعر:
فإنْ كُنْتَ نَدْماني فبِالأكْبرِ اسقِني
لكنه خرج على الإتباع، كما قالوا: العشايا والغدايا، وغداة جمعها الغدوات، لكنه أتبع، والتحقيق عند أهل اللغة أنه يقال: نادم وندمان في الندامة بمعنى، وعليه يكون جمعه على الأصل، ولا إتباع، وفي رواية النسائي والطَّبراني:"مرحبًا بالوفد ليس الخزايا ولا النادمين" قال ابن أبي جمرة: بشرهم بالخير عاجلًا وآجلًا، لأن الندامة إنما تكون في العاقبة، فإذا انتفت ثبت ضدها، وفيه دليل على جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا أُمن عليه الفتنة.
وقد بين مسلم السبب في تحديث ابن عباس لأبي جمرة بهذا الحديث، فقال بعد قوله المار:"وبين الناس، فاتته امرأة تسأله عن نبيذ الجرِّ، فنهى عنه، فقلت يا ابن عباس: إنّي أنتبذُ في جرة خضراء نبيذًا حلوًا، فاشرب منه، فتقرقر بطني، قال: لا تشرب منه، وإن كان أحلى من العسل".