للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو القلب أو غيرهما من الأركان في مقابلة نعمة، وجملة قام لا محمل لها من الإعراب لأنها استئنافية.

وقوله، "وأثنى عليه" أي: ذكره بالخير مطلقًا، أو الأول وصف بالتحلي بالكمال، والثاني وصف بالتخلي عن النقائص، وحينئذ فالأولى إشارة إلى الصفات الوجودية، والثانية إلى الصفات العدمية، أي: التنزيهيات.

وقوله: "عليكم باتقاء الله وحده" أي: الزموه وحده، أي: حال كونه منفردًا بالاتقاء لا شريك له في ذلك، والاتقاء أفتعال من التقوى، والتقوى مشتقة من الوقاية بمعنى الصيانة، لأنها تصون صاحبها من إرتكاب الرذائل في الدنيا، أو من العذاب في الآخرة، وقد سئل علي رضي الله تعالى عنه عن التقوى، فقال: هي العمل بما في التنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل، والخوف من الجليل. وبعض العلماء قسم التقوى إلى ثلاث مراتب:

الأولى: التقوى بالتبرّي عن الشرك الموجب للخلود في النار، وعليه قوله تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى}.

والثانية: التجنب عن كل ما فيه إثم من فعل أو ترك، حتى الصغائر عند قوم، وهو المعنى بقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا}.

والثالثة: أن يتنزه عن كل ما يشغل سره عن الحق، وهذا هو المطلوب بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} وفسر بعضهم حق التقاة بأن يطاع فلا يُعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى، وهذا مقام الأنبياء المرسلين، ويكون لخواص عباد الله الذين على قدم الأنبياء، ولهذا قال بعض العارفين:

ولَو خَطَرَتْ لي في سواكَ إرادةٌ ... على خاطِرِي يومًا حكمتُ بردَّتي

وليس معنى هذا أنه يصير كافرًا يستحق الخلود في النار، بل هذا لسان محب عاشق، وردته نقصه عن مرتبة حبه إلى مرتبة أدنى منها في الحب، ونظم المختار بن بون هذه المراتب الثلاث في "وسيلته" مقدمًا في النظم

<<  <  ج: ص:  >  >>