مستثبتا من الرسول، صلى الله تعالى عليه وسلم، ما أخبره به رسوله إليهم، لأنه قال في حديث ثابت عن أنس عند مسلم وغيره، فإن رسولك زعم. وقال في حديث ابن عباس عند الطبراني "أتتنا كتبك وأتتنا رسلك" ويحتمل أن يكون قوله آمنت إنشاءً. ورجحه القرطبيُّ لقوله "زعم" قال: والزعم القول الذي لا يوثق به. قال ابن السِّكِّيت: قال في "الفتح": وفيه نظر، لأنَّ الزَّعم يطلق على القول المحقق أيضا، كما نقله أبو عمرو الزاهدي، وأكثر سيبويه من قوله: زعم الخليل في مقام الاحتجاج. وأما تبويب أبي داود عليه باب "المشرك يدخل المسجد" فليس مصيرًا منه إلى أن ضمامًا قدم مشركًا، بل وجهه أنهم تركوا شخصًا قادمًا يدخل المسجد من غير استفصال. ومما يؤيد أن قوله "آمنت" إخبارًا، أنه لم يسأل عن دليل التوحيد، بل عن عموم الرسالة وعن شرائع الإِسلام، ولو كان إنشاءًا لكان طلب معجزة توجب له التصديق، قاله الكرماني، وعكسه القُرْطبيّ، فاستدل به على صحة إيمان المقلِّد للرسول، ولو لم تظهر له معجزة، وكذلك أشار إليه ابن الصَّلاح.
وقوله:"وأنا رسول من ورائي" مبتدأ وخبر مضاف إلى من الموصولة، ويجوز تنوينه وكسر من، لكن لم تأتِ به الرواية. وفي رواية ابن عباس عند الطبراني:"جاء رجل من بني سعد بن بكر إلى رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان مسترضعًا فيهم، فقال: أنا وافد قومي ورسولُهم". وعند أحمد والحاكم: بعثتْ بنو سعد ببكر بن هوزان ضمام بن ثعلبة وافدًا إلى رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، فقدم علينا، فذكر الحديث. فقول ابن عباس هذا:"فقدم علينا" يدل على تأخير وفادته، لأن ابن عباس إنما قدم المدينة بعد الفتح، وزاد مسلم في آخر الحديث، قال:"والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهنَّ ولا أنقص" فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: "لئن صدق ليدخُلنَّ الجنة". ووقعت هذه الزيادة في حديث ابن عباس، وهي الحاملة لمن سمى المبهم في حديث طلْحة السابق في الإِيمان ضمام بن ثعلبة كابن عبد البرّ وغيره. ومال القُرْطِبيُّ إلى أنه غيره.