للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ممن ليس له سلطان، وأما ما أخرجه أحمد وأبو داود والنَّسائي عن أبي رَيْحانة قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عن لُبْس الخاتم إلا لذي سُلطان" فقد سُئل عنه مالك، فضعّفه، وقال: سأل صَدَقَة بنُ يَسَار سعيد بن المُسيّب، فقال: الْبَس الخاتَم، وأخبر الناس أني قد أفتيتك.

ويمكن أن يكون المراد بالسلطان في الحديث، من له سلطنة على شيء ما يحتاج إلى الختم عليه، لا السلطان الأكبر خاصة. والمراد بالخاتم ما يُخْتَم به فيكون لُبْسُه عبثًا، وأما من لبس الخاتم الذي لا يختم به، وكان من الفضة للزينة، فلا يدخل في النهي، وعلى ذلك يحمل حال من لبسه، ويؤيده ما ورد من صفة نَقْش خواتم بعض من كان يَلْبس الخواتم، مما يدل على أنها لم تكن بصفة ما يختم به. فقد أخرج ابن أبي شَيْبة في المصنف عن ابن عمر أنه نقش على خاتمه "عبد الله بن عمر" وكذا القاسم بن محمد. وقال ابن بطّال: كان مالك يقول: من شأن الخلفاء والقضاة نقشُ أسمائهم في خواتيمهم. وهذا والذي قبله يدلان على المعنى الأول من أن المراد من له احتياج إلى الختم.

ويدل على المعنى الثاني الذي قصد الزينة لا الختم به ما أخرجه ابن أبي شَيْبة عن حُذيفة وأبي عُبَيدة أنه كان نقش كل واحد منهما "الحمد لله". وعن علي "الله المَلك" وعن إبراهيم النخعي "بالله" وعن مسروق "بسم الله" وعن أبي جعفر الباقِر "العزة لله". وعن الحسن والحسين لا بأس بنقش ذكر الله على الخاتم، قال النَّوويّ: وهو قول الجمهور. ونقل عن ابن سيرين وبعض أهل العلم كراهته. وقد أخرج ابن أبي شَيْبة بسند صحيح عن ابن سِيرين أنه لم يكن يرى بأسًا أن يكتب الرجل في خاتمه "حسبي الله" ونحوها. وهذا يدل على أن الكراهة عنه لم تثبت، ويمكن الجمع بأن الكراهة حيث يخاف عليه حمله للجُنُب والحائض، والاستنجاء بالكف التي هو فيها، والجواز حيث حصل الأمن من ذلك، فلا تكون الكراهة لذلك بل من جهة ما يعرض لذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>