وحكى الخَطّابي أنه يكره للنساء التختم بالفضة، لأنه من زي الرجال. ورُد عليه ذلك. قال النَّوويّ: الصواب أنهن لا يكره لهنّ ذلك. وقول الخطّابي ضعيف، أو باطل لا أصل له.
وما مر من الإِجماع على جواز خاتَم الفضة للرجال، لا يعارضه ما في الصحيحين من رواية الزُّهريّ عن أنس من أنه رأى في يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاتمًا من وَرِق يومًا واحدًا، ثم إن الناس اصطنعوا الخواتيم من وَرِق ولبسوها، فطرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، خاتَمه فطرح الناس خواتيمهم، لِما أجاب العلماء عن هذا الحديث، فقد قال القاضي عِياض: أجمع أهل الحديث أن هذا وَهْمٌ من ابن شِهاب من خاتم الذهب إلى خاتم الفضة، والمعروف من رواية أنس من غير طريق ابن شهاب اتخاذُ النبي -صلى الله عليه وسلم-، خاتم فضة، وأنه لم يطْرحه وإنما طرح خاتَم الذهب، وأجاب عنه غيره بأربعة أجوبة.
الأول: قال الإِسماعيلي: إن كان هذا الخبر محفوظًا فينبغي أن يكون تأويله أنه اتخذ خاتمًا من وَرِق على لون من الألوان، وكره أن يتخذ غيره مثله، فلما اتخذوا رمى به حتى رموا به، ثم اتخذ بعد ذلك ما اتخذه، ونقش عليه ما نقش ليختم به.
ثانيها: وهو للإِسماعيلي أيضًا، هو أنه اتخذه زينة، فلما تبعه الناس فيه، رمى به، فلما احتاج إلى الختم اتخذه ليختم به، وبهذا جَزم المُحبُّ الطَّبريّ. قال: والظاهر من حالهم أنهم اتخذوها للزينة، فطرح خاتمه ليطرحوا، ثم لبسه بعد ذلك للحاجة إلى الختم به، واستمر ذلك.
ثالثها: هو أنه اتخذ خاتم الذهب للزينة فلما تتابع الناس فيه، وافق وقوعَ تحريمه، فطرحه، ولذلك قال:"لا ألْبسه أبدًا" وطرح الناس خواتيمهم تبعًا له. وصرح بالنهي عن لُبْس خاتم الذهب، كما رواه البخاريّ وغيره عن البَراء بن عازب وأبي هريرة وابن عُمر، ثم احتاج إلى الخاتم لأجل الختم به، فاتخذه من فِضة، ونقش فيه اسمه الكريم، فتبعه الناس