للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: إن تخصيص النهي للرجال لحكمة، فالذي يظهر، أنه سبحانه وتعالى، علم قلة صبرهنّ عن التَّزيُّن، فلَطَف بهنّ في إباحته، ولأن تزيّنهنّ غالبًا إنما هو للأزواج. وقد ورد أن حُسْن التبعل من الإِيمان. قال: ويستنبط من هذا أن الفحل لا يصلح له أن يبالغ في استعمال الملذوذات لكون ذلك من صفات الإِناث.

وأما تحريمه على الرجال، فلما مر عن البَرَاء وأبي هُريرة وابن عمر عند البخاري وغيره، أنه نهى عن خاتَم الذهب، قال ابن دَقيق العيد: وظاهر النهي التحريم، وهو قول الأئمة، واستقر الأمر عليه، ولِما مر عن أصحاب السنن وغيرهم، من قوله، عليه الصلاة والسلام: "هذان حرام على ذكور أُمتي" ولما رواه يونس عن الزُّهريّ عن أبي إدريس، عن رجل له صحبة، قال: "جلس رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي يده خاتم من ذهب، فقرع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يده بقضيب فقال: "الق هذا". ولما أخرجه أحمد والطَّبرانيّ عن عبد الله بن عمر، ورفعه: "من مات من أمتي وهو يلبس الذهب حرّم الله عليه ذهب الجنة".

قال عِياض: وما نُقل عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حَزْم من تختمه بالذهب، فشذوذ، والأشبه أنه لم تبلغه السنة فيه، فالناس بعده مجمعون على خلافه، وكذا ما رُوي فيه عن خبّاب، وقد قال له ابن مسعود: أما آن لهذا الخاتم أن يلقى؟ فقال: إنك لن تراه عليّ بعد اليوم، فكأنه ما كان بلغه النهي، فلما بلغه رجع. قال: وقد ذهب بعضهم إلى أنه مكروه للرجال كراهة تنزيه لا تحريم، كما قال مثل ذلك في الحرير. قال ابن دَقيق العِيد: هذا يقتضي إثبات الخلاف في التحريم، وهو يناقض القول بالإِجماع على التحريم. قال في "الفتح": التوفيق بين الكلامين ممكن، بأن يكون القائل بكراهة التنزيه انقرض، واستقر الإجماع بعده على التحريم.

وقد جاء عن جماعة من الصحابة لُبْس خاتَم الذهب، من ذلك ما

<<  <  ج: ص:  >  >>