في رواية مسلم، ويُستفاد منه أن الداخل يبدأ بالسلام، وأن القائم يسلم على القاعد، وإنما لم يذكر رد السلام عليهما اكتفاءً بشهرته. أو يستفاد منه أن المستغرق في العبادة يسقط عنه الرد. وسيأتي في كتاب الاستئذان استيفاء الكلام عليه، وقد استوفيناه في كتابنا على "متشابه الصفات".
ولم يذكر في الحديث أنهما صليا تحية المسجد، إما لكون ذلك كان قبل أن تشرع، أو كانا على غير وضوء، أو وقع فلم ينقل للاهتمام بغير ذلك من القصة، أو كان في غير وقتِ تنفُّل، قاله القاضي عِياض، بناء على مذهبه في أنها لا تصلّى في الأوقات المكروهة.
وقوله: على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أي: على مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو "على" بمعنى "عند"، قاله في "الفتح"، لكنا لم نقف على أن "على" بمعنى "عند".
وقوله:"فرأى فرجة في الحلْقة، فجلس فيها"، أتى بالفاء في قوله "فرأى فرجة" لتضمن إما معنى الشرط، وفيه استحباب التحليق في مجالس الذكر والعلم، وفيه أن من سبق إلى موضع منها كان أحق به.
وقوله:"وأما الآخر" هو بفتح الخاء المعجمة، وفيه رد على من زعم أنه يختص بالأخير لاطلاقه هنا على الثاني، وقوله: فأدبر ذاهبًا، أي: ولّى حال كونه ذاهبًا، فذاهبًا حال مقدَّرة، إذ الإِدبار لا يستلزم الذهاب، فسقط ما قيل إن معنى "ذاهبًا" استمر في ذهابه وإلا فأدبر مغنٍ عن ذاهبًا.
وقوله:"ألا أخبركم عن النَّفر الثلاثة" فألا بالتخفيف حرف تنبيه. وفي الكلام طيٌّ، كأنهم قالوا: أخبرنا عنهم، فقال: أما أحدهم قآوى إلى الله، فآواه الله الخ. قال القرطبيّ: الرواية الصحيحة بقصر الأول ومد الثاني، وهو المشهور في اللغة وفي القرآن {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ}[الكهف: ١٠] بالقصر، {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ}[المؤمنون: ٥٠]، بالمد. وحكي في اللغة القصر والمد معًا فيهما. ومعنى