آوى إلى الله: لجأ إلى الله أو على الحذف، أي: انضم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومصدر المقصور أُوِيًا، على مفعول، ومصدر الممدود إيواء على إفعال. ومعنى "فآواه الله" أي: جازاه الله، بنظير فعله، بأن ضمه إلى رحمته ورضوانه، أو يؤويه يوم القيامة إلى ظل عرشه، وهذا تفسير باللازم، إذ معناه الحقيقيُّ، وهو الإِنزال عند الله، مستحيلٌ في حقه تعالى، فهو من باب المُشاكلة، كما في قوله تعالى:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}.
وفيه استحباب الأدب في مجالس العلم، وفَضْلُ سَدِّ خَلَلِ الحَلْقَة، كما ورد الترغيب في سد خلل الصفوف في الصلاة، وجواز التخطي لسد الخلل ما لم يؤذ فإن خَشِيَ، استحب الجلوس حيث ينتهي كما فعل الثاني. وفيه الثناء على من زاحم في طلب الخير، وقوله:"وأما الآخر فاستحيا" أي: ترك المزاحمة، كما فعل رفيقه، حياءً من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وممن حضر.
وقد بين أنس في روايته معنى استحياء الثاني، ولفظه عند الحاكم: ومضى الثاني قليلًا، ثم جاء فجلس. فالمعنى أنه استحيا من الذهاب عن المجلس، كما فعل رفيقه الثالث. وقوله:"فاستحيا الله منه" أي: رحمه ولم يعاقبه، فجازاه بمثل ما فعل. وهذا أيضًا من قبيل المُشَاكلة، لأن الحياء تغيُّر وانكسار يعتري الإِنسان من خوف ما يُذَمُّ به، وهذا محال على الله تعالى، فيكون مجازًا عن ترك العقاب. وحينئذ فهو من قبيل ذكر الملزوم، وإرادة اللازم.
وقوله:"وأما الآخر فأعْرَضَ" أي: عن مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يلتفت إليه، بل ولى مُدْبرًا وقوله: فأعرض الله عنه، أي: جازاه بأن سخط عليه، وهو محمول على من ذهب معرضًا لا لعذر، هذا إن كان مسلمًا. ويحتمل أن يكون منافقًا، واطلع النبي -صلى الله عليه وسلم-، على أمره. كما يحتمل أن يكون قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فأعرض الله عنه" إخبارا أو دُعاء.