تعالى. وقد أشبعنا القول عليه في كتابنا "على متشابه الصفات" ثم قال:
"وإن العلماء هم ورثة الأنبياء، ورّثوا العلم، من أخذه أخذ بحظ وافر".
بفتح أن، ويجوز كسرها، ومناسبة هذا الحديث للترجمة من جهة أن الوارث قائم مقام موروثه، فله حكمه فيما قام مقامه فيه، وقوله: ورَّثوا العلم، بتشديد الراء، أي: الأنبياء. ويروى بتخفيفها مع كسر الراء، أي العلماء، ويؤيد الأول قولُه في الحديث "وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العلم". وقد سقنا لفظ الحديث بطوله، في باب فضل العلم، أول الكتاب. وهذا التعليق طرف من حديث أخرجه أبو داود والتِّرمذيّ وابن حِبان والحاكم مصححًا من حديث أبي الدرداء، وحسّنه حمزة الكناني، وضعّفه غيرهم بالاضطراب في سنده، لكن له شواهد يتقوى بها. ولم يفصح المصنف بكونه حديثًا، فلهذا لا يعد في تعاليقه، لكن إيراده له في الترجمة مشعر بكونه له أصلًا. وشاهده في القرآن قوله تعالى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}[فاطر: ٣٢] ثم قال: "ومَن سَلَك طريقًا يطلب به علمًا سهّل الله له طريقًا إلي الجنة".
نكّر طريقًا وعلمًا ليتناول أنواع الطرق الموصلة إلى تحصيل العلوم الدينية، وليندرج فيه القليل والكثير. وقوله:"سهل الله له طريقًا" أي: في الآخرة أو في الدنيا، بأن يوفقه للأعمال الصالحة الموصلة إلى الجنة، وفيه بشارة بتسهيل العلم على طالبه، لأن طلبه من الطرق الموصلة إلى الجنة. وهذا طرف من الحديث المذكور.
وقد أخرج أيضًا هذه الجملة مسلمٌ من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في حديث غير هذا، وأخرجه التِّرمذيّ، وقال: حسن، ولم يقل: صحيح، لأنه يقال: إن الأعمش دَلّس فيه فقال: حُدّثتُ عن أبي صالح، قال ابن حَجَر: لكن في رواية مسلم عن أبي أُسامة عن الأعمش