حدثنا أبو صالح فانتفت تهمة تدليسه، ولكن المصنف لم يخرجْه للاختلاف فيه، ثم قال:
"وقال جل ذكره {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر: ٢٨] " أي: إنما يخافه الذين علموا قدرته وسلطانه، فمن كان أعلم كان أخشى لله، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: أنا أخشاكم لله، وأتقاكم له، ثم قال: وقال: {وَمَا يَعْقِلُهَا}[العنكبوت: ٤٣] أي: الأمثال المضروبة، وحسنها وفائدتها. وفي الحديث، تفسيرًا لهذه الآية: العالم الذي عقل عن الله، فعمل بطاعته، واجتنب سخَطَه. ووجه إدخال هذه الآية والتي قبلها، في الترجمة، هو أن الباب في العلم والإِتيان في مدح العلماء، ولم يستحقوا هذا المدح إلا بالعلم إلا العالمون، أي: الذين يعقلون عن الله، فيتدبرون الأشياء على ما ينبغي. ثم قال:{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ}[الملك: ١٠] أي: كلام الرُّسُل، فنقبله جملة، من غير بحث وتفتيش، اعتمادًا على ما ظهر من صدقهم بالمعجزات، أو نعقل فنفكر في حِكَمه ومعانيه تفكُّرَ المستبصرين {مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[الملك: ١٠] أي: في عدادهم وفي جملتهم. وهذا إخبار عن قول الكفار، حين دخولهم النار، وإنما حذف مفعول نَعْقِل، لأنه جُعِل كالفعل اللازم، والمعنى: لو كنا من أهل العلم، ما كنا من أهل النار. وإنما جمع بين السمع والعقل لأن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل.
وقد روى أبو سعيد الخُدريّ مرفوعًا:"أن لكل شيء دعامة، ودعامة المؤمن عَقْله، فبقدر ما يعقل يعبد ربه. ولقد ندم الفجّار يوم القيامة، فقالوا:{لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[الملك: ١٠] " وروى أنسٌ مرفوعًا أن الأحمق ليصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وإنما يرتفع العباد غدا في الدرجات، وينالون الزُّلفى من ربهم على قدر عقولهم. ووجه دخول هذه الآية في الترجمة، هو أن المراد من العقل هاهنا العلم، فإن الكفار تمنَّوا أن لو كان لهم العلم لما دخلوا في النار. ثم قال: