للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٩].

أراد بالذين يعلمون العاملين من علماء الديانة، كانه جعل من لا يعمل غير عالم. وفيه ازدراء عظيم بالذين يقتنون العلوم ثم لا يقنتون فيها، ثم يفتنون بالدنيا، ووجه دخولها في الترجمة، هو أن الله تعالى نفى المساواة بين العلم والجهل، ويقتضي نفي المساواة أيضًا بين العالم والجاهل، وفيه مدح للعلم وذم للجهل.

وهذه الآية بعد قوله تعالى {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر: ٩] الخ .. قال القسطلانيّ عند آية المتن: نفيٌ لاستواء الفريقين، باعتبار القوة العلمية بعد نفيها، باعتبار القوة العملية على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم، وقيل: تقرير للأول على سبيل التشبيه، أي: كما لا يستوي العالمون والجاهلون، لا يستوي القانتون والعاصون ثم قال:

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-، "من يُرِد الله به خيرًا يفقِّهه في الدين"، وفي رواية المستملي "يفهِّمه" بالهاء المشددة المكسورة بعدها ميم، والفقه هو الفهم، قال الله تعالى {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: ٧٨] أي: لا يفهمون. والمراد الفهم في الأحكام الشرعية. وهذا التعليق وصله البخاري باللفظ الأول بعد هذا ببابين، وأما اللفظ الثاني فأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب العلم من طريق ابن عمر عن عمر مرفوعًا. وإسناده حسن.

ثم قال: "وإنما العلم بالتَّعلُّم" وهذا حديث مرفوع أورده ابن أبي عاصم والطَّبراني من حديث معاوية، بلفظ "يأيها الناس تعلّموا إنما العلم بالتعلّم، والفقه بالتَّفقُّه، ومن يرد الله به خيرًا يفقِّهه في الدِّين" وإسناده حسن لأن فيه مبهمًا اعتضد بمجيئه من وجه آخر.

وروى البزّار نحوه، عن ابن مسعود موقوفًا، ورواه أبو نُعيم الأصبهاني مرفوعًا عن أبي الدرداء بلفظ "إنما العلم بالتعلم وإنما الحِلم بالتَّحَلّم، ومن يَتَحَرَّ الخير يُعْطَهُ". فلا يغتر بقول من جعله من كلام البخاري، والمعنى ليس

<<  <  ج: ص:  >  >>