للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم المعتبر، إلا المأخوذ من الأنبياء وورثتهم على سبيل التعلُّم.

ثم قال: وقال أبو ذَرّ: لو وضعتم الصَّمْصَامَةَ على هذه وأشار إلى قفاه، ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من النبي -صلى الله عليه وسلم-، قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها.

وهذا التعليق وصله الدارمي في مسنده، عن أبي كثير مالك بن مَرْثَد عن أبيه قال: أتيت أبا ذَرٍّ، وهو جالس عند الجَمْرة الوُسطى، وقد اجتمع عليه الناس يستفتونه، فأتاه رجل، فوقف عليه ثم قال: ألم تُنْهَ عن الفُتْيَا؟، فرفع رأسه إليه فقال: أرقيب أنت عليّ؟ لو وضعتم .. فذكر مثله. ووصله أبو نعيم في "الحلية" من وجه آخر، وبين أن الذي خاطبه رجل من قريش، وأن الذي نهاه عن الفُتْيا عثمان، -رضي الله عنه-.

وكان سبب ذلك أنه كان بالشام، فاختلف مع معاوية في تأويل قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: ٣٤] فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب خاصة، وقال أبو ذر: نزلت فيهم وفينا، فكتب معاوية إلى عثمان، فأرسل إلى أبي ذر، ثم حصلت منازعة أدت إلى انتقال أبي ذرٍ عن المدينة إلى الرَّبَذَة، بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة، إلى أن مات بها. رواه النَّسَائي. وفيه دليل على أن أبا ذرٍّ كان لا يرى بطاعة الإِمام إذا نهاه عن الفتيا، لأنه كان يرى أن ذلك واجب عليه، لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، بالتبليغ، كما مر قريبًا في قوله: "لِيبلغ الشاهدُ الغائب". ولعله أيضًا سمع الوعيد في حق من كتم علمًا يعلمه.

والصمصامة، بمهملتين، الأولى مفتوحة، هو السيف الصارم الذي لا ينثني، وقيل: الذي له حد واحد. وقوله: هذه، إشارة إلى القفا، وهو يذكر ويؤنث، وقوله: إني أُنْفِذُ، بضم الهمزة وكسر الفاء وبالذال المعجمة، أي: أُمضي. وقوله: أن تجيزوا عليَّ، بضم المثناة وكسر الجيم وبعد الياء زاي، أي: تكملوا قتلي. ونكر "كلمة" ليشمل القليل والكثير، والمراد أنه يبلغ ما تحمله في كل حال، ولا ينتهي عن ذلك ولو أشرف على القتل.

<<  <  ج: ص:  >  >>