"لو" في كلامه لمجرد الشرط، من غير أن يلاحظ الامتناع، أو المراد أنّ الإِنفاذ حاصل على تقدير وضع الصمصامة، وعلى تقدير عدم حصوله أولى، فهو كقوله "لو لم يخَفِ الله لم يَعْصِه". وفيه الحث على تعليم العلم، واحتمال المشقة فيه، والصبر على الأذى، طلبًا للثواب.
قلت: في حديث أبي ذَرّ دليل لمن قال إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يسقط وجوبهما بخوف القتل، كالشافعية. وفي حديث أبي هريرة الآتي في آخر كتاب العلم، "وأما الآخر فلو بَثَثْته لقطع هذا البلعوم" دليلٌ لمن قال بسقوط وجوبهما بخوف القتل، كالمالكية.
ثم قال:"وقال ابن عباس كونوا ربانيين حلماء فقهاء علماء، ويقال الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره".
وقد فسر ابن عباس الرَّباني، بأنه الحكيم الفقيه، ووافقه ابن مسعود فيما رواه إبراهيم الحربي في غريبه عنه، بإسناد صحيح. وقال الأصمعي والإِسماعيلي: الرَّبّاني نسبة إلى الربّ، أي: الذي يقصد ما أمره الرب بقصده، من العلم والعمل، وقال ثعلب: قيل للعلماء: الرَّبانيون، لأنهم يربون العلم أي يقومون به، وزيدت الألف والنون للمبالغة، والحاصل أنه اختلف في هذه النسبة، هل هي نسبة إلى الرب أو إلى التربية. والتربية على هذا للعلم، وعلى ما حكاه البخاري لمتعلمه. والمراد بصغار العلم، ما وضح من مسائله، وبكباره ما دق منها. وقيل: يعلمهم جزئياته قبل كلياته، أو فروعه قبل أصوله، أو مقدماته قبل مقاصده. وقال ابن الأعرابيّ: لا يقال للعالم ربَّانيّ حتى يكون عالمًا معلمًا عاملًا.
وقد اقتصر المصنف في هذا الباب، على ما أورده، من غير أن يورد حديثًا موصولًا على شرطه، فإما أن يكون بيَّض له ليُورد فيه ما يثبت على شرطه، أو يكون تعمد ذلك اكتفاء بما ذكر. وهذا التعليق وصله ابن أبي عاصم بإسناد حسن، والخطيب بإسناد آخر حسن. وقد مرّ أبو ذَرّ في الثالث والعشرين من كتاب الإِيمان، ومر ابن عباس في الخامس من بدء الوحي.