للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: أمرنا بالصبر، قال: فاصبروا حتى نلقوه. فقال عبد الرحمن بن حسّان ابن ثابت حين بلغه ذلك:

ألا بلغ معاوية بن صَخْرِ ... أمير المؤمنين عني كلامي

بأنا صابرون ومنظروهم ... إلى يوم التغابُنِ والخِصامِ

وروى ابن شِهاب أن المُسوَّر بن مخْرَمَة وَفِد على معاوية، فلما دخل عليه وسلم، قال له معاوية: ما فعل طعنك على الأئمة يا مُسَور؟ فقال له: دعنا من هذا، وأحسن فيما قدمنا له، قال: والله، لتكلمني بذات نفسك. قال: فلم أدع شيئًا أعيبه عليه إلا بينته له. فقال: لا أتبرأ من الذنوب أما لك يا مسور ذنوب تخاف أن تهلكك إن لم يغفرها الله لك؟ قال: بلى. قال: فما جعلك أحق بأن ترجو المغفرة عني؟ فوالله لما آلوا من الإصلاح بين الناس، وإقامة الحدود، والجهاد في سبيل الله، والأُمور العظام، التي لست أحصيها، ولا تحصيها، أكثر مما تلي، وإني لعلى دين الله، يقبل الله فيه الحسنات، ويعفو عن السيئات، ووالله لعلى ذلك، ما كنت لأخير بين الله تعالى وما سواه إلا اخترت الله على ما سواه. قال مسور: ففكرت حين قال ما قال، فعلمت أنه خصمني. قال: فكان إذا ذكر بعد ذلك، دعوت له. وروي أن عمر بن عبد العزيز ما جلد سوطًا في خلافته إلا رجلًا سبّ معاوية عنده، فجلده ثلاثة أسواط. وروي عن معاوية أنه قال: أُعنت على علي بثلاث، كان رجلا ربما أظهر سره وكنت رجلًا كتومًا لسري، وكان في أخبث جند، وأشده خلافًا عليه، وكنت في أطوع جند وأقلّه خلافًا عليّ. ولما ظفر بأصحاب الجمل، لم أشك في أن بعض جنده سيعد ذلك وهنًا في دينه، ولو ظفروا به كان ذلك وهنًا في شوكته، ومع هذا، فكنت أحب إلى قريش منه، لأني كنت أعطيهم، وكان يمنعهم، فكم سبب من قاطع إليّ ونافر عنه.

ورُوي عنه أنه قال: اتبعت النبي -صلى الله عليه وسلم- بوضوء، فلما توضأ، نظر إليّ، وقال: "يا معاوية، إن وُلِّيت أمرًا فاتَّق الله" فما زلت أظن أني مبتلىً بعمل. وروي عن أسلم مولى عمر بن الخطاب، -رضي الله عنه- أنه قال: قدم علينَا

<<  <  ج: ص:  >  >>