معاوية، وهو أبضُّ الناس وأجملهم، فخرج إلى الحج مع عمر بن الخطاب، وكان عمر ينظر إليه، ويتعجب منه، ويضع أصبعه على جبينه، ثم يرفعها عن مثل الشرّاك، ثم يقول: بَخ بَخ، إذًا نحن خير الناس إن جمع لنا خير الدنيا والآخرة. فقال معاوية: يا أمير المؤمنين، سأحدثك أنا بأرض الحمامات والريف، فقال عمر: سأحدثك ما بك إلا إلطافك نفسك بأطيب الطعام، وتصبحك حين تضرب الشمس متنيك، وذوو الحاجات وراء بابك. قال: حتى جئنا إلى ذي طُوىً، فأخرج معاوية حُلَّة فلبسها، فوجد عمر منها ريحًا، كأنها ريح الطيب، فقال: يعمد أحدكم فيخرج حاجًا تفلا، حتى إذا جاء أعظم بلدان الله حرمةً، أخرج ثوبيه، كأنهما كانا في الطيب، فلبسهما. فقال معاوية: إنما لبستهما لأدخل بهما على عشيرتي. يا عمر، والله، لقد بلغني اذاك هاهنا، وفي الشام. فالله يعلم أني قد عرفت الحياء في وجه عمر، فنزع معاوية الثوبين، ولبس ثوبيه اللذين أحرم بهما.
ورُوي أن معاوية دخل على عمر بن الخطاب يومًا، وعليه حلّة خضراء، فنظر إليه الصحابة، فلما رأى ذلك عمر، قام ومعه الدرة، فجعل ضربا بمعاوية، ومعاوية يقول: الله الله يا أمير المؤمنين، فيم؟ فيم؟ فلم يكلمه حتى رجع، وجلس في مجلسه، فقالوا له: لم ضربت الفتى، وليس في قومك مثله؟ فقال: ما رأيت إلا خيرًا، وما بلّغني إلا خيرًا، ولكني رأيته، وأشار بيده يعني إلى فوق، فأردتُ أن أضع منه. وروي عن عُمر أنه قال: إياكم والفُرقة بعدي، فإن فعلتم، فاعلموا أن معاوية فإذا وكلتم إلى رأيكم كيف يستبزها منكم. وروي أنه لما احتضر كان يتمثل بقول الشاعر:
فهل من خالد إما هلكنا ... وهل بالموت، يا للناس، عار
ولما احتضر جمع أهله، فقال: ألستم أهلي؟ قالوا: بلى فداك الله بنا، قال: وعليكم حزني، ولكم كدي وكسبي، قالوا: بلى، فداك الله بنا، قال: فهذه نفسي قد خرجت من قدمي، ردوها علي إن استطعتم، فبَكوا، وقالوا: ما لنا والله، إلى هذا من سبيل. فرفع صوته بالبكاء، ثم قال: ومن تغره الدنيا