للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعدي؟ وذكر أنه لما ثقل في الضعف، وتحدث الناس أنه الموت، قال لأهله: احشوا عيني أثمدًا، وأسْبغوا رأسي دهنا. ففعلوا وبرقوا وجهه بالدهن، ثم مهدوا له مجلسًا، واسندوه وأذنوا الناس، فدخلوا وسلموا عليه قيامًا، فلما خرجوا من عنده أنشد:

وتجلُّدِي للشامتين أُريهُم ... أني لرِيَب الدهر لا أتضعضع

فسمعه رجل من العلويين فأجابه بقوله:

وإذا المنيّة أنشبت أظفارها ... ألفيتَ كل تميمةٍ لا تنفع

وروي عن الشافعي، رضي الله تعالى عنه، أنه قال: لما ثقل معاوية، كان يزيد غائبًا، فكتب إليه بحاله، فلما أتاه الرسول أنشأ يقول:

جاء البريدُ بقُرطاسٍ يحث به ... فأوجس القلب من قرطاسه فزعًا

قلنا لك الويل، ماذا في صحيفتكم ... قالوا: الخليفة أمسى مثبتا وجِعَا

فمادت الأرض، أي كادت تميد بنا ... كأن شهلان من أركانه انقطعا

أودى ابن هندٍ وأودى المجد يتبعه ... كانا جميعًا، فظلا يسريان معًا

لا يرقع الناسُ ما أوهى وإن جَهدوا ... أن يرقعوه، ولا يوهون ما رقعا

أغر أبلج يستسقى الغَمَامُ به ... لو قارع الناسَ في أحلامهم قرعا

والبيتان الأخيران للأعشى، فلما وصل إليه وجده مغمورًا، فأنشأ يقول:

لو عاش حيٌّ لنا لعاش إما ... م الناس لا عاجز ولا وَكِل

الحول القلب والأريب ولن ... يدفع وقت المنية الحيلُ

فأفاق معاوية، وقال: يا بني، إني صحبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فخرج لحاجة، فأتبعته بإدادة، فكساني أحد ثوبيه، الذي كان على جلده، فادخرته لهذا اليوم، وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من أظفاره وشعره ذات يوم، فأخذته وخبأته لهذا اليوم، أيضًا. فإذا أنا متُّ، فاجعل ذلك القميص دون كفني،

<<  <  ج: ص:  >  >>