"فليتنافس المتنافسون"، وإن كان في معصية فهو مذموم، ومنه "ولا تنافسوا". وإن كان في الجائزات، فهو مباح، فكأنه قال في الحديث:"لا غبطة أعظم أو أفضل من الغبطة في هذين الأمرين".
ووجه الحصر أن الطاعات إما بدنية أو مالية أو كائنة عنهما، وقد أشار إلى البدنية بإتيان الحكمة والقضاء بها وتعليمها، وإلى المالية بإيتاء المال والتسلط على هلاكه في الحق، وليس في الحديث ذكر الثالثة الكائنة عنهما.
وقوله:"إلا في اثنتين" بتاء التأنيث، أي خصلتين، يعني لا حسد محمودًا في شيء إلا في خصلتين، وللمصنف في "الاعتصام": إلا في اثنين، أي: شيئين. وقوله:"رجل" على الأول، بالرفع، والتقدير خصلة رجل، حنف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ويجوز البدل أيضًا، على تقدير حذف المضاف، أي: خصلة رجل، لأن الاثنتين معناهما خصلتان، كما مر. وعلى الثاني، فهو بالجر على البَدَلية، والمعنى إلا في اثنين، أي: خصلة رجلين: رجل .. الخ. ويجوز النصب باضمار أعني، وهي رواية ابن مَاجَة. ويجوز حمل الحسد في الحديث على حقيقته، على أن الاستثناء منقطع، والتقدير نفي الحسد مطلقًا، أي: لكن هاتان الخصلتان محمودتان، ولا حسد فيهما، فلا حسد أيضًا. وأما جعل الاستثناء متصلًا مع أن الحسد حقيقي، فمردود، لأن الحسد لا يجوز بحال. وقوله:"آتاه الله مالًا" بمد الهمزة كاللاحقة، أي: أعطاه، ونكّر "مالًا" ليشمل القليل والكثير. وقوله:"فسُلط" بضم السين وحذف الهاء، لأبي ذر وللباقين "فسلطه" بالهاء، وعبر بالتسليط لدلالته على قهر النفس المجبولة على الشح. وقوله:"على هَلَكته" بفتح الهاء واللام، أي: إهلاكه. وعبر بذلك ليدل على أنه لا يُبقي منه شيئًا، وكمله بقوله:"في الحق" أي: في الطاعات، ليزيل عنه إيهام الإِسراف المذموم. وقوله:"ورجل آتاه الله الحكمة" رجلٌ بالحركات الثلاث المتقدمة، واللام في الحكمة للعهد، لأن المراد بها القرآن، كما في حديث ابن عمر المشار إليه سابقًا:"رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار". والمراد بالقيام به العمل به