للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطلقًا، أعم من تلاوته، داخل الصلاة أو خارجها، ومن تعليمه، والحُكم والفتوى بمقتضاه، فلا تخالف بين لفظي الحديث.

ولأحمد من حديث يزيد بن الأخنس السُّلَميّ: "رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به، آناء الليل وآناء النهار، ويتبع ما فيه". وفي حديث أبي هريرة عند المؤلف في "فضائل القرآن"، ما يدل على أن المراد بالحسد المذكور هنا، الغبطة. ولفظه "فقال رجل ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل". وعند التِّرمذي من حديث أبي كَبْشة الأنماريّ، بفتح الهمزة وسكون النون، أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: فذكر حديثًا طويلًا فيه استواء العامل في المال بالحق، والمتمني في الأجر. ولفظه "وعبدٌ رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالًا، فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالًا لعملت مثل ما يعمل فلان، فأجرهما سواء".

وذكر في ضدهما أنهما في الوزر سواء، وقال فيه: حديث حسن صحيح. وإطلاق كونهما سواء، يرد على الخطابيّ في جزمه بأن الحديث يدل على أن الغنيّ إذا قام بشروط المال، كان أفضل من الفقير، نعم يكون أفضل بالنسبة إلى من أعرض ولم يتمنَّ، لكنّ الأفضلية المستفادة منه، هي بالنسبة إلى هذه الخصلة فقط، لا مطلقًا.

قلت: وفي تفضيل الغنيّ الشاكر، وهو القائم بحقوق الله تعالى فيما أعطاه من المال، والفقير الصابر، وهو من استغنى بما أُوتي، وقنع به ورضي، ولم يحرص على الازدياد، ولا ألح في الطلب، فكأنه غنيّ. وهذا هو غنى النفس المذكور في الحديث -اختلافٌ كثيرٌ.

قال القرطبيّ: للعلماء في هذه المسألة أقوال، ثالثها الأفضل: الكفافُ. رابعها: يختلف باختلاف الأشخاص، خامسها: التوقف. ويأتي ما قيل من ترجيح الكفاف. وقد احتج من فضل الفقر بما أخرجه البخاري في كتاب الرِّقاق عن سهل بن سعد السَّاعديّ قال: مر رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>