للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لرجل عنده، جالسٍ: ما رأيك في هذا؟ فقال: رجل من أشراف الناس، هذا والله حريٌّ إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع. قال: فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ثم مر رجل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله؟ هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريٌّ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع لقوله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا. وما أخرجه عن خَبّابٌ قال: هاجرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نريد وجه الله، فوقع أجرنا على الله تعالى، فمنا من مضى لم يأخذ من أجره شيئًا .. إلى أن قال: ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يهديها. وما أخرجه عن عِمران بن حُصين عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: اطَّلعتُ في الجنة فوجدت أكثر أهلها الفقراء .. الخ، إلى غير هذا من الأحاديث الواردة في وصف عيشه، عليه الصلاة والسلام، ووصف عيش أصحابه، رضي الله تعالى عنهم، في زمنه.

واحتج من فضل الغنى، بحديث "إن المكثرين هم الأقلون إلا من قال بالمال هكذا". أخرجه البخاريّ عن أبي ذرٍّ، وحديث سعد بن أبي وقاص في الوصاية، "إن تَذَر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة". وحديث كعب ابن مالك حيث استشار في الخروج من ماله كله، فقال: "أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك" وحديث عمرو بن العاص "نعم المال الصالح للرجل الصالح". وحديث "ذهب أهل الدثور بالأُجور" وفي آخره "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء". قال ابن بطّال عند هذا الحديث: في هذا الحديث فضل الغنى نصًا لا تأويلًا إذا استوت أعمال الغني والفقير فيما افترض الله عليهما، فللغني حينئذ فضل عمل البرِّ من الصدقة ونحوها، مما لا سبيل للفقير إليه.

قال: ورأيت بعض المتكلمين ذهب إلى أن هذا الفضل يخص الفقراء دون غيرهم، أي الفضل المترتب على الذكر المذكور، وعقل عن قوله في نفس الحديث المذكور: "إلا من صنع مثل ما صنعتم" فجعل الفضل لقائله كائنًا

<<  <  ج: ص:  >  >>