للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: ٦٠] قال: وذلك لا يتم إلا بالمال.

وأجاب من فضل الفقر، بأنه لا مانع من أن يكون الغنى في جانب العموم، أفضل من الفقر في حالة مخصوصة. ولا يستلزم أن يكون أفضل مطلقًا، ورجح كثير من العلماء الكفاف، قال أحمد بن نصر الداوديّ: الفقر والغنى متقابلان لما يعرض لكل منهما، وفقره وغناه من العوارض، فيمدح أو يذم، والفضل كله في الكفاف، لقوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: ٢٩] وقال -صلى الله عليه وسلم- "الّلهم اجعلْ رزق آل محمد قوت" وعليه يحمل قوله: "أسألك غناي وغنى هؤلاء" ومعناه: اكْفِهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذل المسألة، ولا يكون فيه فضول يبعث على التَّرفُّه والتبسط في الدنيا. وفيه حجة قوية لمن فضل الكفاف، لأنه إنما يدعو لنفسه وآله بأفضل الأحوال.

والكفاف الكفاية بلا زيادة ولا نقصان. وقال القرطبي: هو ما يكفُّ عن الحاجات، ويدفع الضرورات، ولا يُلْحقُ بأهل الترفهات. وممن قال بتفضيل الكفاف القرطبيّ في "المُفْهم" فقال: جمع الله تعالى لنبيه الحالات الثلاث: الفقر والغنى والكَفاف. فكان الأول أول حالاته، فقام بواجب ذلك من مجُاهَدة النفس، ثم فتحت عليه الفتوح فصار بذلك في حد الأغنياء، فقام بواجب ذلك من بَذْلِه لمستحقه، والمواساة به، والإِيثار، مع اقتصاره منه على ما يسد ضرورة عياله، وهي صورة الكفاف التي مات عليها. قال: وهي حالة سليمة من الغنى المطغي والفقر المؤلم، وأيضًا، فصاحبها معدود في الفقراء لأنه لا يَترَفَّهُ في طيبات الدنيا، بل يجاهد نفسه في الصبر عن القدر الزائد على الكفاف، فلم يفته من حال الفقر إلا السلامة من قهر الحاجة، وذل المسألة.

ويؤيده ما أخرجه التِّرمذيّ عن أبي هريرة، رفعه: "وارض بما قُسم لك تكن أغنى الناس" وأصح ما ورد في ذلك ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن

<<  <  ج: ص:  >  >>