أهل العلم عند التنازع، والعمل بخبر الواحد الصدوق، وركوب البحر في طلب العلم، بل في طلب الاستكثار منه، ومشروعية حمل الزاد في السفر، ولزوم التواضع في كل حال، ولهذا حرص موسى على الالتقاء بالخضر، عليهما السلام، وطلب التعلم منه، تعليمًا لقومه أن يتادبوا بأدبه، وتنبيها لمن زكّى نفسه، أن يسلك مسلك التواضع، وإطلاق الفتى على التابع، واستخدام الحُر، وطواعية الخادم لمخدومه، وعذر الناس، وقبول الهبة من غير المسلم، واستدل به على أن الخضر نبي لعدة معان، كقوله:"وما فعتله عن أمري" وكاتباع موسى رسول الله له، ليتعلم منه، وكإطلاق أنه أعلم منه، وكإقدامه على قتل النفس، لما شرحه بعد وغير ذلك.
وأما من استدل به على جواز دفع أغلظ الضررين بأخفهما، والإغضاء على بعض المنكرات مخافة أن يتولد منه ما هو أشد، وإفساد بعض المال لإصلاح معظمه، كخِصاء البهيمة للسِّمَن، وقطع أذنها لتتميز، ومن هذا مصالحة ولي اليتيم السلطان على بعض مال اليتيم، خشية ذهابه بجميعه فصحيح. لكن فيما لا يعارض منصوص الشرع، فلا يسوغ الإقدام على قتل النفس ممن يتوقع منه أن يقتل أنفسا كثيرة قبل أن يتعاطى شيئًا من ذلك، وإنما فعل الخضر ذلك، لاطلاع الله تعالى عليه.
وقال ابن بّطال: قول الخضر: وأما الغلام فكان كافرًا، هو باعتبار ما يؤول إليه أمره ان لو عاش حتى يبلغ، واستحباب مثل هذا القتل لا يعلمه إلا الله، ولله أن يحكم في خلقه بما يشاء، قبل البلوغ وبعده. ويحتمل أن يكون جواز تكليف المميز قبل أن يبلغ كان في تلك الشريعة، فيرتفع الإشكال، وفيه جواز الإخبار بالتعب، ويلحق به الألم من مرض ونحوه، ومحل ذلك إذا كان على غير سَخَط من المقدور، وفيه أن المتوجه إلى ربه يُعان، فلا يسرع إليه النَّصب والجوع، بخلاف المتوجه إلى غيره، كما في قصته في توجهه إلى ميقات ربه، وذلك في طاعة ربه، فلم يُنقل عنه أنه تعب، ولا طلب غذاء، ولا رافق أحدًا. وأما في توجهه إلى مدين، فكان في حاجة