وقول أهل الشام ثلاثون سنة، والحق عدم تقييده بسن مخصوص، بل ينبغي تقييده بالفهم لحصول الغرض به، وكتبه بالتأهل له. والصحيح عند المُحدِّثين أن من تحمل الحديث كافرًا ثم أسلم بعد ذلك وأداه بعد إسلامه تقبل روايته؛ لأن جُبير بن مُطْعِم، رضي الله عنه، قدم على النبي، صلى الله عليه وسلم، في فداءَ أسارى بدر، قبل أن يسلم، فسمعه حينئذ يقرأ سورة "والطور" في المغرب، قال: وذلك أول ما وقَر الإيمان في قلبي، ثم أدى ذلك بعد إسلامه، وحمل عنه، وكذلك يقبل ما تحمَّله الصبي قبل البلوغ، ثم أداه بعده.
ومنع قوم القبول في مسألة الصبي؛ لأن الصبي مظنة عدم الضبط، ورد عليهم بإجماع الأُمة على قبول حديث جماعة من صغار الصحابة تحمَّلوه في صغرهم، كالسِّبْطين، وعبد الله بن الزُّبير، والنعمان بن بشير، وعبد الله بن عباس، وبإحضار أهل العلم من المُحَدِّثين صبيانهم مجالس التحديث، وقبولهم ما حدثوا به من ذلك بعد البلوغ، كما وقع للقاضي أبي عمر الهاشميّ، فإنه سمع السنن لأبي داود من اللؤلؤيّ، وله خمس سنين، واعتدّ الناس بسماعه وحملوا عنه. وقال يعقوب الدَّوْرَقِيّ: حدثنا أبو عاصم، قال: ذهبت يابني إلى ابن جُرَيج، وسنه أقل من ثلاث سنين، فحدثه. وإذا قلنا بصحة تأدية الصبي بعد البلوغ ما سمعه في حال صباه، فالمعتبر في وقت صحة سماعه، حتى يقبل منه بعد البلوغ هو ما مر من الخلاف، وأشار العراقي في نظمه إلى هذا كله بقوله:
وَقَبِلوا من مُسْلِم تَحَمُّلًا ... في كفره كذا صبي حَمَلا
ثم روى بعد البلوغِ ومَنَعْ ... قومٌ هنا وَرُدَّ كالسبطين مع
إحضار أهل العلمِ للصبيان، ثمْ ... قُبُولهم ما حدثوا بعد الحِلْمْ
وطلبُ الحديث في العشرينَ ... عند الزُّبَيْري أحب حينا
وهو الذي عليه أهل الكوفة ... في العشر في البصرة كالمألوفة