"بقية" بالقاف بعد الياء، والمراد بها البقعة الطيبة، كما يقال: فلان بقية الناس. ومنه {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ}[هود: ١١٦].
وقوله:"قَبلت الماء" أي بفتح القاف، وكسر الباء، من القُبول. وعند الأصيلي قيلت بالتحتانية المشددة، ويأتي ما فيها. وقوله:"فأنبتت الكَلَأ" بفتح الكاف واللام، وبالهمز مقصورًا، وهو النبات رطبًا ويابسًا. وقوله:"والعشُبْ" بضم فسكون، وهو الرُّطْب من النبات. وهو من عطف الخاص على العام، وقوله:"وكانت منها أجادِب" بالجيم والدال المهملة بعدها موحدة، جمع جَدْب، بفتح فسكون، وهو المَحْل وزنًا ومعنى، وهو جمع على غير قياس، وهي الأرض الصلبة التي لا ينضب منها الماء، أي لا يغور. وضبطه المازريّ "بالذال المعجمة" ووهمه القاضي وفي رواية أبي ذَرِّ "إخاذات" بكسر الهمزة، وبالخاء والذال المعجمتين، وآخره مثناة فوقية، قبلها ألف، جمع إخاذة، وهي الأرض التي تمسك الماء. قال بعضهم "أجارِد" بجيم وراء، ثم قال مهملة جمع جرداء، وهي البارزة التي لا تنبت.
قال الخطابي: وهو صحيح المعنى إن ساعدته الرواية. وقوله:"فنفع الله بها الناس" أي بالإخاذات وفي رواية الأصيلي "به" أي: بالماء، وقوله:"فشربوا وسقوا" يعنيِ: شربوا من الماء وسقوا دوابهم. وقوله:"وزرعوا من الزرع"، ولمسلم والنَّسائيّ "ورعوا من الرَّعي" ورجح القاضي عِياض رواية مسلم بلا مرجح؛ لأن رواية "زرعوا" تدل على مباشرة الزرع، لتطابق في التمثيل مباشرة طلب العلم، وإن كانت رواية "رعواة مطابقة لقوله: "أنبتت"، لكن المراد أنها قابلة للنبات. والظاهر عندي حمل الإنبات على ظاهره من الإنبات بالفعل، وبهذا يكون لكل من الرواتين مرجح.
وقال القاضي عياض: قوله: "ورعوا" راجع للأولى؛ لأن الثانية لم يحصل منها نبات. قال في "الفتح": ويمكن أن يرجع إلى الثانية، بمعنى أن الماء الذي استقر بها، سقيت منه أرض أخرى، فأنبتت.