للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: هذا احتمال بعيد جدًا إلا أنَّ جَعْل الكلام مسوقًا لمحل واحد، بقربه. وقوله: "إنما هي قيعان" بكسر القاف، جمع قاعٍ، وهو الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت. وقوله: "فذلك مثل مَنْ فَقُه في دين الله" بضم القاف، أي صار فقيهًا، أو صار الفقه له سجية، ورُوي بكسر القاف، والضم أشبه.

وقوله: "ونفعه ما بعثني الله به، فعَلِم وعَلَّم" أي: علم ماجئت به، وعلمه لغيره وهذا على قسمين الأول: العالم العامل المعلم، فهو بمنزلة الأرض الطيبة، شربت فانتفعت في نفسها، وأنبتت فنفعت غيرها والثاني: الجامع للعلم المستفرق لزمانه فيه، غير أنه لم يعمل بنوافله، أو لم يتفقه فيما جمع، لكنه، أداه لغيره، فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء، فينتفع الناس به، وهو المشار إليه بقوله "نَضَّر الله امرءًا أسمع مقالتي، فأدَّاها كما سمعها" فهذا الشطر راجع إلى الطائفتين الأُوليين المحمودتين، وجمع بينهما في المثل لاشتراكهما في الانتفاع بهما.

وقوله: "ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا" أي: تكبر، ولم يلتفت إليه من غاية تكبره، وهو من دخل في الدين ولم يسمع العلم، أو سمعه، فلم يعمل به، ولم يعلَّمه أي فما انتفع به، ولا نفع غيره، فهو بمنزلة الأرض السَّبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء، أو تفسده على غيرها. وقوله: "ولم يقبل هُدَى الله الذي أرسلت به" أي: لم يدخل في الدين أصلًا، بل بلغه فكفر به، فهو بمنزلة الأرض الصماء الملساء المستوية، التي يمر عليها الماء فلا تنتفع به.

قال القرطبيّ وغيره: ضرب النبيُ صلى الله تعالى عليه وسلم، لما جاء به من الدين مثلًا، بالغيث العام، الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه، وكذا كان حال الناس قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام، فكما أن الغيث يحي البلد الميت، فكذا علوم الدين، تحى القلب الميت، ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث.

<<  <  ج: ص:  >  >>