في ترك الفدية. هذا ظاهره. وقال بعض الفقهاء: المراد نفيُ الإثم فقط، وفيه نظر؛ لأن في بعض الروايات الصحيحة "ولم يأمر بكفارة" والتفسير الأول الذي هو عدم وجوب الترتيت والفدية، هو مذهب الشافعيّ وأحمد وعطاء وطاووس ومجاهد، وقال مالك وأبو حنيفة: الترتيب واجب، يجبر بالدم. لكنَّ الدم عند مالك إنما هو في صورتين لا غير، وهما تقديم الحَلْق أو الإفاضة على الرمي، وأما ما عدا ذلك، كحلقه قبل النحر، ونحره قبل الرمي، وإفاضته قبل النحر أو الحلق، أو قبلهما معاً، فلا دم عليه على الأصح في هذه الصور الخمس.
واحتجوا بما رواه ابن أبي شَيْبَة عن ابن عباس أنه قال: من قَدَّم شيئًا من نُسُكه أو آخره فَلْيُهرِق لذلك دمًا. وابن عباس أحد من روى "أن لا حرج" فدل على أن المراد بنفي الحرج نفيُ الاثم، فأوّلوا قوله "لا حرج" أي لا إثم عليكم فيما فعلتموه من هذا؛ لأنكم فعلتموه على الجهل منكم، لا على القصد، فأسقط عنهم الحَرَج، وعَذرهم لأجل النسيان، وعدم العلم. وبدل له قول السائل "لم أشعر" ويؤيده ان في رواية علي عند الطحاويّ، بإسناد صحيح، بلفظ "رمَيَتْ وحَلَقْتُ ونسِيتُ أن أنحر" والاستدلال بما رُوي عن ابن عباس، متُعَقّبٌ بأن في سنده إبراهيم بن مُهَاجر، وفيه مقال، وعلى تقدير صحته يلزم من يأخذ به أن يوجب الدم في كل شيء من الخمسة المذكورة، ولا يخصه بالحلق أو الإفاضة قبل الرمي، وقال الطَّبري محتجًا لمذهب الشافعيّ: لم يسقط النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، الحَرَج إلا وقد أجزأ الفعل، إذ لو لم يُجزىء، لأمره بالإعادة؛ لأن الجهل والنسيان لا يضعان عن المرء الحكمِ الذي يلزمه في الحج، كما لو ترك الرمي ونحوه، فإنه لا يأثم بتركه جاهلاً أو ناسيًا، لكن تجب عليه الإعادة. والعجب ممن يحمل قوله "ولا حرج" على نفي الإثم فقط، ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض، فإن كان الترتيب واجبًا، يجب بتركه دمٌ، فليكنْ في الجميع، وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض، مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج.