واحتج النخعيّ ومن تبعه في تقديم الحلق على غيره، بقوله تعالى {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة: ١٩٦]. قال: فمن حلق قبل الذبح اهْراق دمًا عنه، رواه ابن أبي شَيْبة بسند صحيح. ويجاب عنه بأن المراد "ببلوغ محله" وصوله إلى الموضع الذي يحل ذبحه فيه، وقد حصل، وإنما يتم ما أراد أنْ لو قال: ولا تحلقوا حتى تنحروا، وأجاب الآبيُّ عن مالك بأن وجوب الدم في الأولى يخصص عموم الخبر المار، لقاعدة أخرى، وهي أن في تقديم الحلق على الرمي إلقاء التَّفَثِ عن المُحْرِم.
وروى الأثرم عن أحمد: إن كان ناسيًا أو جاهلاً فلا شيء عليه، وإن كان عامدًا، فعليه الدم، لقوله في الحديث "لم أشعر"، وتُعُقِّب بأن الترتيب لو كان واجبًا لما سقط بالسهو، كالترتيب بين السعي والطواف، فإنه لو سعى قبل أن يطوف وجبت إعادة السعي، وأيضا وجوب الفدية، يحتاج إلى دليل، ولو كان واجبًا لبَيَّنه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، حينئذ؛ لأنه وقت الحاجة ولا يجوز تأخيره.
وقال ابن دقيق العيد: ما قاله أحمد قويٌّ من جهة أن الدليل دل على وجوب اتباع الرسول في الحج، بقوله "خذوا عني مَنَاسِكَكُم" وهذه الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت بقول السائل "لم أشعر" فيختص الحكم بهذه الحالة، وتبقى حالة العمد على أصل وجوب الاتباع في الحج، وأيضًا، فالحكم إذا رتب على وصف، يمكن أن يكون معتبرًا، لم يجز اطّراحه ولا شك أن عدم الشعور وصفٌ مناسب لعدم المؤاخذة، وقد عُلِّق به الحكم، فلا يمكن اطّراحه بإلحاق العمد به، إذ لا يساويه، وأما التمسك بقول الراوي، فما سئل عن شيء إلخ، فإنه يشعر بأن الترتيب مطلقٌ غير مراعىً، فجوابه أن هذا الإخبار من الراوي، يتعلق بما وقع السؤال عنه، وهو مطلق بالنسبة إلى حال السائل، والمطلق لا يدل على أحد الخاصين بعينه، فلا يبقى حجة في حال العمد، والله تعالى أعلم.