العربية بمعنى القتل إلا على طريق المجاز، لكون الاختلاط مع الاختلاف يفضي كثيرا إلى القتل، وكثيرا ما يسمى الشيء باسم ما يُؤول إليه، واستعمالها في القتل بطريق الحقيقة هو بلسان الحبش، وكيف يُدعى على مثل أبي موسى الأشعري الوهم في تصير لفظة لغوية؟ بل الصواب معه، واستعمال العرب الهرج بمعنى القتل لا يمنع كونها لغة الحبشة، وإن ورد استعمالها في الاختلاط والاختلاف، كحديث مَعْقِل بن يسار، رفعه "العبادة في الهَرْج كهجرة إليّ" أخرجه مسلم.
وذكر صاحب "المحكم" للهرج معاني أُخرى، ومجموعها تسعة: شدة القتل وكثرة القتل، والاختلاط، والفتنة في آخر الزمان، وكثرة النكاح، وكثرة الكذب، وكثرة النوم، وما يرى في النوم غير مُنْضبط، وعدم الإتقان للشيء. وقال الجوهري: أصل الهَرْج الكثرة في الشيء، يعني حتى لا يتميز. وقد جاء في تفسير أيام الهرج، فيما أخرجه أحمد والطَّبرانيّ بسند حسن من حديث خالد بن الوليد، أن رجلًا قال له: يا أبا سليمان، اتَّق الله، فإن الفتن قد ظهرت، فقال، أما وابن الخطاب حي فلا، إنما تكونَ بعده، فينظر الرجل فيفكر، هل يجد مكانًا لم ينزل به ما نزل بمكانه الذي هو فيه من الفتنة والشر، فلا يجد، فتلك الأيام التي ذكر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، بين يدي الساعة أيام الهَرْج، قلت: هذا الحديث نص في زماننا هذا، وفي قوله:"فقال هكذا بيده" إطلاق القول على الفعلِ، والفاء في قوله "فحرفها" تفسيريّة، كأن الراوي بيّن أن الإيماء كان محرفاً، وقوله:"كأنه يريد القتل" فهمه الراوي من تحريف يده الكريمة، وحركتها كالضارب.
وهذا الحديث أخرجه المؤلف في الفتن عن أبي هريرة، وزاد فيه "يتقارب الزمان ويُلْقى الشُّح" وفيه "وينقص العلم" بدل "ويقبض" وأخرجه الطَّبرانِيّ في الأوسط عن أبي هريرة، بزيادة، ولفظه مرفوعًا "لا تقوم الساعة حتى يظهرَ الفُحْشُ والبُخْل، ويخوَن الأمينُ، ويؤتمنَ الخائن، وتهلك