للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله: "ويلقى الشح" فالمراد إلقاؤه في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم، ومنه {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل: ٢٩] حتى يبخل العالم بعلمه، فيترك التعليم والفتوى، ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره، ويبخل الغني بماله حتى يهلك الفقير، وليس المراد وجود أصل الشح؛ لأنه لم يزل موجودًا، والمحفوظ في الروايات "يلُقّى" بضم أوله من الرباعي، ويحتمل أن يكون بفتح اللام وتشديد القاف، أي يتلقَّى ويتعلّم ويتواصى به، كما في قوله تعالى {وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص: ٨٠].

قال الحُميدي: ولو قيل بالفاء مع التخفيف، لم يستقم، لانه لم يزل موجودًا قال في "الفتح" لو ثبتت الرواية بالفاء لكان مستقيمًا، والمعنى أنه يوجد كثيرًا مستفيضًا عند كل أحد، وقال القُرْطُبيُّ يجوز أن يكون يلقى، بتخفيف اللام والقاف، أي يترك، لأجل كثرة المال، وإفاضته حتى يهُمُّ ذو المال مَنْ يقبل صدقته. قال ابن أبي جَمْرة: يحتمل أن يكون القاء الشح عامًا في الاشخاص، والمحذور من ذلك ما تترتب عليه مفسدة، والشحيح شرعًا هو من يمنع ما وجب عليه، وامساك ذلك ممحق للمال، مذهب لبركته، ويؤيده "ما نقص مالٌ من صدقة" فإن أهل المعرفة فهموا منه أن المال الذي يخرج منه الحق الشرعي لا تلحقه آفة ولا عاهة، بل يحصل له النماء، ومن ثمَّ سميت الزكاة؛ لأن المال ينمو بها، وتحصل فيه البركة، واختلف في المراد بقوله: "وينقص العلم"، فقيل: المراد نقص علم كل عالم بأن يطرأ عليه النسيان مثلًا، وقيل: نقص العلم بموت أهله، فكلما مات عالم في بلد ولم يخلفه غيره نقص العلم من تلك البلدة، وأما نقص العمل فيحتمل أن يكون بالنسبة لكل فَرْدٍ فإن العالم إذا دهمته الخطوب ألهته عن أوراده وعبادته ويحتمل أن يراد به ظهور الخيانة في الأمانات والصناعات.

قال ابن أبي جَمْرة: نقص العمل الحسين ينشأ عن نقص الدين

<<  <  ج: ص:  >  >>