وقال بعضهم: معنى تقارب الزمان استواء الليل والنهار، وهذا مما قالوه في قوله:"إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب" وقال النوويّ تبعًا لعياض: المراد بقصره عدم البركة فيه وأن اليوم، مثلًا يصير الانتفاع به بقدر الانتفاع بالساعة الواحدة. قالوا: وهذا أظهر وأكثر فائدة، وأوفق لبقية الأحاديث، وقيل في تفسير "يتقارب الزمان" قصر الأعمار بالنسبة إلى كل طبقة، فالطبقة الأخيرة أقصر أعمارًا من التي قبلها، وقيل تقارب أحوالهم في الشر والفساد والجهل، وهذا اختيار الطَّحاويّ، والذي جنح إليه لا يناسب ما ذكر معه إلا أن يقال: إن الواو لا ترتب، فيكون ظهور الفتن أولًا، ينشأ عنها الهَرْج، ثم يخرج المَهْديُّ، فيحصل الأمن.
قال ابن أبي جَمْرة: يحتمل أن يكون المراد بتقارب الزمان قصره، علي ما وقع في حديث "لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر" المار قريبًا. قال: وعلى هذا فالقِصَر يحتمل أن يكون حِسَّيًا, ويحتمل أن يكون معنويًا. أما الحسَّي فله يظهر بعد، ولعله من الأمور التي تكون قرب قيام الساعة، وأما المعنوي فله مدة ظهر، يعرف ذلك أهل العلم الدينيّ، ومن له فطنة من أهل السبب الدنيويّ فإنهم يجدون أنفسهم لا يقدر أحدهم أن يبلغ من العمل قدر ما كانوا يعملونه قبل ذلك، ويشكون ذلك ولا يدرون العلة فيه، ولعل ذلك بسبب ما وقع من ضعف الإيمان، لظهور الأُمور المخالفة للشرع من عدة أوجه، وأشد ذلك الأقوات، ففيها من الحرام المَحْض، ومن الشُّبه ما لا يخفى، حتى أن كثيرًا من الناس لا يتوقف في شيء، ومهما قدرعلى تحصيل شيء هجم عليه، ولا يبالي، والواقع أن البركه في الزمان وفي الرزق وفي النبت إنما تكون من قوة الإيمان واتباع الأمر واجتناب النهي والشاهد لذلك قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}. [الأعراف: ٩٦].
وقال البيضاويّ: يحتمل أن يكون المراد بتقارب الزمان تسارع الدول إلى الانقضاء والقرون إلى الانقراض، فيتقارب زمانهم فتتدانى أيامهم،