وقوله:"حتى علانى كذا" للأكثر بالعين المهملة، وتخفيف اللام، من علوت الرجل غلبته، ولكريمة "تجلاني" بمثناة وجيم ولام مشددة، وجلال الشيء ما غطي به، والغَشْي، بفتح الغين وسكون الشين المعجمتين وتخفيف الياء، وبكسر الشين وتشديد الياء، بمعنى الغشاوة وهي الغطاء، وأصله مرض معروف، يحصل بطول القيام في الحر ونحوه، وهو طرف من الإغماء. والمراد هنا الحالة القريبة منه فأطلقته مجازًا، ولهذا قالت:"فجعلتُ أصب على رأسي الماء في تلك الحالة ليذهب" ووهم من قال: إن صبها كان بعد الصلاة، ولو كان شديدًا، لكان كالإغماء، وهو ينقض الوضوء بإجماع، وكونها كانت تتولى صب الماء عليها، يدل على أنَّ حواسها كانت مدركة، وذلك لا ينقض الوضوء.
ومحل الاستدلال بفعلها من جهة أنها كانت تصلي خلف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان يرى الذي خلفه في الصلاة، ولم ينقل أنه أنكر عليها. وقوله:"وأثنى عليه" عطف على "حمد" من باب عطف العام على الخاص؛ لأن الثناء أعم من الحمد والشكر والمدح، وقوله:"لم أكن أُريته" بضم الهمزة، أي مما تصح رؤيته عقلًا كرؤية الباري، ويليق عرفًا مما يتعلق بأمر الدين وغيره، وقوله:"ألا رأيته" أي: رؤية عين حقيقية، وقوله:"في مقامي" حال، أي: حال كوني في مقامي، بفتح الميم الأولى، وكسر الثانية. وفي رواية الكَشْمَيهْنيّ والحَمَويّ زيادة "هذا" خبر مبتدأ محذوف، أي وهو هذا، ويؤول بالمشار إليه، والاستئناء مفرغ متصل، فتلغى فيه إلا من حيث العمل لا من حيث المعنى، كسائر الحروف، نحو ما جاءني إلا زيدٌ، وما رأيت إلا زيدًا، وما مررت إلا بزيدٍ.
وقوله:"حتى الجنة والنار" رويت بالحركات الثلاث فيهما: (١)
بالرفع على أن حتى ابتدائية والجنة مبتدأ محذوف الخبر، أي حتى الجنة مرئية، والنار عطف عليه (٢).