والنصب على أنها عاطفة، عطفت الجنة على الضمير المنصوب في رأيته (٣).
والجر على أنها جارة، واستشكل الدماميني الجر بأنه لا وجه له إلا العطف على المجرور المتقدم، وهو ممنوع لما يلزم عليه من زيادة من مع المعرفة، والصحيح منعه. قلت: هكذا نقله القَسْطَلانيّ، ولم أفهم وجه قوله:"إن الجر لا وجه له إلا العطف على المجرور"، فإن الجر غير العطف، ولا يشترط فيه أن يكون قبله مجرور يعطف عليه، بل هي في حالة الجر لانتهاء الغاية. فالجنة والنار هما انتهاء غاية الرؤية، فهي مثل قوله تعالى {لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ}[يوسف: ٣٥] فلا فرق بين هذه الآية والحديث.
وقد مر في حديث كُفران العَشير في الإيمان استيفاء الكلام على رؤيته، عليه الصلاة والسلام، للجنة والنار. وقوله:"فأُوحي إليَّ أَنكم" بضم همزة أوحي وكسر الحاء وفتح همزة أن، نائب عن الفاعل، وقوله:"تُفْتَنون" أي تُمْتَحَنون وتُخْتَبَرون. وقوله:"مثل أو قريبًا" بترك التنوين في الأول وإثباته في الثاني. وتوجيهه أن اصله مثل فتنة الدَّجال، أو قريبًا من فتنة "الدجال" فحذف ما أضيف إليه "مثل" وترك "مثل" على حاله قبل الحذف، وجاز الحذف لدلالة ما بعده عليه، وهذا كقول الشاعر:
عَلَّقْتُ آمالي فَعَمّتِ النِّعَمْ ... بمثلِ أو أنفعَ من وبلِ الدِّيَمْ
وتمثيله في الفتح بقول الشاعر:
بين ذِراعي وجَبْهَة الأسَدِ
وبقول الآخر:
أمامَ وخلفَ المرِء من لُطفِ ربه
الخ ليس في محله؛ لأن ما ذكره من باب قول ابن مالك:
ويحذَف الثاني ويبقى الأولُ ... كحاله إذا به يَتَّصِلُ
بشرطِ عطفٍ وإضافةٍ إلى ... مثل الذي له أضفت الأولَّ