في التّذْكِرِة بَأَنهُ يُسأَلُ، وهو منقوَل عن الحنفية، وجزم غير واحدٍ من الشافعية بأنه لا يُسأل، ومن ثَمَّ قالوا: لا يُستحبُّ أن يُلَقَّنْ واختلِف أيضًا في النبي هل يُسألُ؟ وأَما الملَكُ فلَا يَعْرفُ أحدٌ ذِكْرَهَ والذي يَظْهر أنَّه لا يُسأَلُ، لأنَّ السُؤالَ يختصَ بمنَ شَأنْهُ أنْ يفُتن.
والمُسالةُ واقعةٌ على كل أَحدٍ كما مَرَّ. وهل تختْصُّ بهذه الأمة أو وَقَعت على الأممَ قبلها؟ ظاهرُ الأحاديث الأولُ، وبهِ جَزَمَ الحكيمُ التِّرِمِذي، وقال: كانت الأُمم قبلَ هذه الأُمةِ تأتيهمُ الرُّسلُ فإن أطاعوا فذاك، وإنْ أبَوا اعتزلوهم وعوجلوا بالعَذابْ، فلما أرسل اِلله محمدًا رحمة للعالمين أمسكَ عنهمُ العذابَ، وقبل الإِسلام ممَّن أظْهَرَهُ سواءٌ سَرّ الكُفْر أم لا، فلَما ماتوا قيَّض لله فَتَّانَيْ القبر لَيْستخِرجَ سرَّهُم بالسُّؤالِ، وليَميزَ الله الخَبيثَ من الطَّيب، ويُثَبّتَ الله الذين آمنوا ويضُلُّ الله الظالمين.
ويؤيّدُه حديثُ زَيدٍ بن ثابت مرْفوعًا "إن هذه الأُمةَ تُبْتلَى في قبورها" الحديث ... ، أخرجهُ مسلم، ويُؤيْدهُ أيضًا قولُ الملكين: ما تقولُ في هذا الرَّجل مُحمد؟ وحديثُ عائشة عند أحمدٍ أيضًا بلفظِ "وأما فِتْنة القبَّر: فبي تُفْتنونُ، وعَنّي تُسأَلون" وجَنحِ ابن القيم إلى الثاني، وقال: ليسَ في الأحاديث ما يَنفي المسألة عمنَّ تقَدَّم من الأمم، وإنّما أخبرَ النّبي صلى الله تعالى عليه وسلم، أمته بكيفية امتحانِهم في القُبورِ لا أنَّه نفي ذلك عن غَيرهم، قال: والذي يَظهَرُ أنَّ كلَّ نبي مع أمَتَّهِ كذلك فتَعَذَّبَ كفُارهِم في قُبورهمِ بعَد سُؤالهَم وإقامة الحُجُّةَ عليهم، كما يعَذبَّون في الآخرة بعد السؤال وإقامة الحُجة.
وحُكي في مسألة: الأطفالِ احتمالا، والظاهرَ أنَّ ذلك لا يمتنع في حقّ المميّز دُون غَيره، قلت: وقَد مَر أن غيرَ الممَيّز فيه خِلافٌ، والظّاهرُ عندي ما جَزَم به الحكيمُ الترْمِذِيّ من اختصاص السُّؤال بهذه الأُمة، لما ذكرَ من الأدلة الظاهرةِ في اختصاصه بها، بل الصريحة كقوله في حديث زيد بن ثابت "إن هذه الأمة تُبلى في قبورها"، وما قاله ابن القَيّم إنّما هُو استظُهارٌ مِنْ نَفْسه، لمْ يأتِ عليه بلدليل، وهذا المَنْزَعُ مما لا مجالَ للرّأي فيه.