رواياتُ الحديثِ أنهُ يُسأَلُ، وهي رادّةٌ على من زعم أنَّ السؤالَ إنما يقع على من يدعي الإيمان إنْ مُحِقًا وإنْ مُبْطلًا. ومُسَتَندُهمُ في ذلك ما رواهُ عبد الرّزاقِ عن عُبيد بن عمير أحدِ كبار التابعين، قال: إنما يُفَتَنُ رَجُلانِ مُؤمن ومُنافق، وأما الكافرُ فلا يُسأل عن محمدٍ ولا يُعرفه، وهِذا موقوف، والاحاديث الناصة على أن الكافرَ يسأل مرفوعَةٌ، مع كثرة طُرُقها الصحيحة، فهي أولى بالقبول.
وجَزم التّرْمِذِيُّ الحكَيمُ بأنَّ الكافرَ يُسأَلْ، وقد مال ابنُ عبد البَّرِ إلى الأولِ، وقال: الآثارُ تدُلُ على أنَّ الفتْنَة لمن كان منسوبًا إلى أهل القبلة , وأما الكافرُ الجاحِدُ فلا يُسألُ عَن دينهِ. وتعقَّبه بَعضُهُم قائِلًا: إنَّ في الكتاب والسُّنة دليلًا على أن السؤال يقعُ للكافِر والمُسلم. قال الله تعالى {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ}[إبراهيم: ٢٧].
وفي حديث أنسٍ في البخاري:"وأما المُنافقُ والكافرُ"، بواوِ العطَفْ. وفي حديث أبي سعيد "فإنْ كان مُؤْمنًا فذِكّرهُ" وفيه "وإنْ كان كافرًا". وفي حديث البَرَّاءِ أنَ الكافِرَ إذا كان في انقطِاعٍ من الدُّنيا فَذَكّرهُ، وفيه:"فَيَأْتيه مُنكرٌ ونكير الحديث" أخرجه أحمد هكذا قال، وأما قولُ أبي عمَر، "فَأَما الكافرُ الجاحدُ فليسَ ممن يُسأَلُ عن دينِه فَجوابُه أنه نَفْي بلا دَليل، بل في الكتاب العزيز الدَّلالةُ على أنَ الكافِرَ يُسأَلُ عن دينه. قال الله تعالى:{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}[الأعراف: ٦]. وقال تعالى {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}[الحجر: ٩٢]، لكنّ للنافي أن يقول: إنّ هذا السؤال يكون يومَ القيامَة، قُلتُ: وهذا الاحتمالُ هو الظاهر.
وقد مَرَّ إتيان البُخاري بهذه الآية مع قوله تعالى:{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الزخرف: ٧٢]، وهذا دالٌ على أنَّ الُمرادَ بذلك الآخرة واخْتُلِفَ في الطفل غَير المُمَيزِ، هل يُسأَلُ؟ فَجَزَم القُرْطِبيّ