وذهب ابن حزْمٍ وابن هُبيرْةَ إلى أن السؤال يقعُ على الروّح فقط من غير عودٍ الىِ الجسد وخالفهم الجمهور وقالوا: تُعاد الرّوحُ إلى الجسدِ أو بَعْضه كما ثبت في الحديث ولو كان على الرَّوحِ فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص.
ففي حديث البراء الطويل، أخرجَهُ أصحابُ السُّنن وصححهُ أبو عُوانة "فترَدُّ رُوحُهُ في جَسَدِه فيأتيهِ ملكان فَيُجلسانِه" وفيه أن الكافرَ تُعادُ روحُهُ في جَسده فيأتيه ملكان فيجلسانِه الخ. ولا يمْنع من ذلك كوْن الميتِ، قد تتفرق أجزاؤهُ؛ لأن الله تعالى قادر على أن يعيد الحياة إلى جزء من البدن، ويقع عليه السؤال، كما هو قادر على أنْ يجمع أجزاءهُ.
والحامل للقائلين إن السؤالَ يقعُ على الرُّوح فقط، أنَّ الميتَ قد يشاهَد في قبره حالَ المسَألةِ لا أثرَ فيه مِنْ إقعادٍ وغيره ولا ضيق في قبَرْهِ ولا سعَة. وكذلك غير المقبور كالمَصْلوب، وجوابُهُم أنَّ ذلك غيرَ ممُتنع في القُدرة بل لهُ نظيْر في العادة، وهوَ النَّائِمْ فإنَّه يجد لذةً وألمًا لا يُدْرِكهُ جُلَيسُه، بل اليقظانُ قَدْ يدركُ ألمًا أو لذةً لما يَسْمَعُهُ أو يُفكِرْ فيه، ولا يُدرِكُ ذلك جليسهُ، وإنما أتى الغَلطُ من قياس الغائب على الشاهِدِ، وأحوالِ ما بعد الموتِ عَلى ما قبلْهَ، والظاهر أنَ الله تعَالى صرَفَ أبصار العباد وأسماعهُم عن مشاهدة ذلك، وسترهُ عنهم إبقاءً عليهم، لئِلا يتدافنوا.
وليست للجوارحِ الدُّنيوية قُدرَةٌ على إدراك أمورٍ الملكوتِ إلا من شاء الله، وقد ثبَتَت الأحاديثُ بما ذَهب إليه الجمهُور كقوله عليه الصلاة والسلام "إنَّهُ لَيْسَمُع خَفْقَ نِعالهمِ" وقوله: "تَخْتَلفُ أضلاعُهُ" لضَمَّة القَبْر، وقوله:"يسمعُ صوته" إذا ضُرِبَ بالمطرقةِ وقوله "يُضْرَبُ بَين أَذُنَيه وقوله: فَيُقْعِدانه" وكلَّ ذلك من صفات الأجسادْ وَذهب أبو الهُذَيْلِ ومن تبعَهُ إلى أنّ الميتَ لا يشعُرُ بالتَّعذيب، ولا بِغَيْره إلا بيْن النَّفخْتَين. قالوا: وحالهُ كَحال النَّائمِ والمَغْشّي عليه، لا يُحِسُ بالضرب، ولا بِغَيْرِه إلا بعَد الإفاقَة.
والأحاديثُ الثّابتة في السؤال حالة تولي أصحاب الميت عنه ترُدُّ عليهم، واختُلِفَ في الكافرِ غيرُ المنافِق، هل يُسألُ أم لا؟ فالذي دَلَّت عليه