للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معه غلام من الأنصار في الصلاة، فلما سمعه استفتحها انفتل من صلاته، فغضب أبي فأتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، يشكو الغلام، وأتى الغلام يشكو أُبيًا، فغضب النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، حتى عُرف الغضب في وجهه، ثم قال: "إن منكم منفرين، فإذا صليتم فأوجزوا، فإن خلفكم الضعيف والكبير والمريض وذا الحاجة" فأبان هذا الحديث أن المراد بقوله في حديث الباب "مما يطيل بنا فلان" أي في القراءة، واستفيد منه أيضًا تسمية الإِمام وهو أبي بن كعب، والموضع وهو قباء، وأما قصة معاذ فمغايرة لحديث الباب؛ لأنها كانت في العشاء كما صرح به في كتاب الصلاة، وكانت في مسجد بني سلمة وهذه كانت في الصبح به، كما صرح به في كتاب الصلاة، وكانت في مسجد قُباء كما في الحديث المار.

ومعاذ بن جبل مر في أول كتاب الإيمان قبل ذكر حديث منه. ومر أبيُّ ابن كعب في السادس عشر من كتاب العلم هذا، وقد قال عياض: ظاهر قوله "لا أكاد أدرك الصلاة" مشكلٌ؛ لأن التطويل يقتضي الإدراك لا عدمه، ولعله "لأكاد أترك الصلاة" فزيدت الألف بعد لا، وفصلت التاء من الراء وجعلت دالا، وهو توجيه حسن لو ساعدته الرواية.

وقيل: معناه أنه كان به ضعف فكان إذا طول به، الإمام في القيام، لا يبلغ الركوع إلا وقد ازداد ضعفه، فلا يكاد يدرك معه الصلاة. وهو معنى حسن لكن رواه المصنف عن الفِرْيابيّ بلفظ "إني لأتأخر عن الصلاة" فعلى هذا فمراده بقوله "إنى لا أكاد أدرك الصلاة" أي: لا أقرب من الصلاة في الجماعة، بل أتأخر عنها أحيانًا، من أجل التطويل، فعدم مقاربته لإدراك الصلاة مع الإمام ناشىء عن تأخره عن حضورها، ومسبَّبٌ عنه، فعبر عن السبب بالمسبّب، وعلله بتطويل الإمام، وذلك لأنه إذا اعتيد التطويل منه، اقتضى ذلك أن يتشاغل المأموم عن المجيء أول الوقت، وثوقًا بتطويل الإمام، بخلاف ما إذا لم يكن يطول، فإنه كان يحتاج إلى المبادرة إليه أول الوقت، وكأنه يعتمد على تطويله، فيتشاغل ببعض شغله، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>