واختلف في هذه المعرفة على قولين للعلماء: أظهرهما الوجوب، كما مر، لظاهر الأمر. وقيل: يستحب، وقال بعضهم: يجب عند الالتقاط، ويستحب بعده. وقوله:"ثم استمتعْ بها" بكسر الثانية وإسكان العين عطف على "عرّفها"، والأمر فيه للإباحة، والمشهور عند الشافعية اشتراطُ التلقط بالتملك. وقيل: تكفي النية، وهو الأرجح دليلًا وقيل تدخل في ملكه بمجرد الالتقاط، واستدل به على أن الملتقط يتصّرف فيها سواء كان غنيًا أو فقيرًا. وعن أبي حنيفة إن كان غنيًا تصدق بها، وإن جاء صاحبها تخير بين إمضاء الصدقة أو تغريمه. قال صاحب "الهداية": إلا أن يكون بإذن الإمام، فيجوز للغني، كما في قصة أبي بن كعب، وبهذا قال عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وغيرهم من الصحابة والتابعين.
وقوله:"فإن جاء صاحبها فأدها إليه" أي: أعطها إليه، يعني إذا أخبر بعفاصها ووكائها وما معه. واختلفوا فيما إذا عرف بعض الصفات دون بعض، بناء على القول بوجوب الدفع لمن عرف الصفة، قال ابن القاسم: لابد من ذكر جميعها. وكذا قال أصبغ، لكن قال: لا تشترط معرفة العدد. وقول ابن القاسم اقوى الثبوت ذكر العدد في الرواية الأخرى، وزيادة الحافظ حجة.
واختلف العلماء فيما إذا تصرف في اللقطة بعد تعريفها سنة ثم جاء صاحبها هل يضمنها له أم لا؟ فالجمهور على وجوب الرد إن كانت العين موجودة أو البدل إن كانت استهلكت، وخالف في ذلك الكرابيسيُّ صاحب الشافعي، ووافقه صاحباه البخاريُّ وداود بن عليّ إمام الظاهرية. لكن وافق داود الجمهور إن كانت العين قائمة. ومن حجة الجمهور قوله في بعض الروايات:"ولتكن وديعةً عندك" وقوله أيضًا عند مسلم "فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كُلْها، فإن جاء صاحبها فأدها إليه" فإن ظاهر قوله "فإن جاء صاحبها إلى آخره .. بعد قوله:، "كُلهْا" يقتضي وجوب ردها بعد أكلها، فيحمل على رد البدل. ويحتمل أن يكون في الكلام حذف يدل عليه بقية الروايات والتقدير "فاعرف عفاصها ووكاءها، ثم كلها إن لم يجىء صاحبها