للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا اللفظ معنى الترجمة لكونه قال لهم ذلك ثلاثًا. وها أنا أذكر بعضًا من تصير هذا الحديث فأقول:

قوله: "الإشراك بالله" يحتمل مطلق الكفر، ويكون تخصيصه بالذكر لغلبته في الوجود، ولاسيما في بلاد العرب، فذكره تنبيهًا على غيره، ويحتمل أن يراد به خصوصيته، إلا أنه يرد عليه أن بعض الكفر أعظم قبحًا من الاشراك، وهو التعطَّل لأنه نفي مطلق، والإشراك إثبات مقيد، فيترجح الاحتمال الأول.

وقوله: "وعقوق الوالدين" العقُوق، بضم العين المهملة، مشتق من العَقّ، وهو القطع، والمراد به صدور ما يتأذى به الوالد من ولده من قول أو فعل إلاَّ في شرك أو معصية، ما لم يتعنت الوالد. وضبطه ابن عطية بوجوب طاعتهما في المباحات فعلًا وتركًا، واستحبابها في المندوبات وفروض الكفاية كذلك. ومنه تقديمها عند تعارض الأمرين، وهو كمن دعته أمه ليمرِّضها مثلا بحيث يفوت عليه فعلُ واجب إن استمر عندها، ويفوت ما قصدته من تأنيسه لها، وغير ذلك إن لو تركها وفعله وكان مما يمكن تداركه مع تفاوت الفضيلة، كالصلاة أول الوقت أو في الجماعة.

وقوله: "وجلس وكان متكئا" يشعر بأنه اهتم بذلك، حتى جلس بعد أن كان متكئًا، ويفيد ذلك تأكيد تحريمه، وعظم قبحه وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعا على الناس، والتهاون بها أكثر، فإن الاشراك ينبو عنه قلب المسلم، والعقوق يصرف عنه الطبع، وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرهما، فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه، وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعًا، بل لكون مفسدة الزور متعدية إلى غير الشاهد، بخلاف الشرك، فإن مفسدته قاصرة غالبًا.

وقوله: "ألا وقول الزور" في رواية "وشهادة الزور". قال ابن دقيق العيد عطف الشهادة على القول ينبغي أن يكون تأكيدًا للشهادة، فإنا لو حملنا

<<  <  ج: ص:  >  >>