القول على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة كبيرة, وليس كذلك. ولا شك أن عظم الكذب ومراتبه متفاوتة، بحسب تفاوت مفاسده ومنه قوله تعالى {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[النساء: ١١٢]. قال: وقد نص الحديث الصحيح على أن الغيبة والنميمة كبيرة، والغيبة تختلف بحسب القول المغتاب به، فالغيبة بالقذف كبيرة ولا تساويها الغيبة بقبح الخلقة، أو الهيئة مثلا، وقال غيره: يجوز أن يكون من عطف الخاص على العام؛ لأن كل شهادة زور قول زور، بغير عكس ويحتمل قول الزور على نوع خاص، والأولى: ما قاله ابن دقيق العيد، ويؤيده وقوع الشك في رواية أنس، هل قال: قُول الزور "أو شهادة الزور"؟ فدل على أن المراد شيء واحد.
وقال القرطبي: شهادة الزور هي الشهادة بالكذب ليتوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس، أو أخذ مال، أو تحليل حرام، أو تحريم حلال، فلا شيء من الكبائر أعظم ضررًا منها, ولا أكثر فسادًا بعد الشرك بالله. وزعم بعضهم أن المراد بشهادة الزور في هذا الحديث الكفر، فإن الكافر شاهد بالزور، وهو ضعيف. وقيل: المراد من يستحل شهادة الزور، وهو بعيد، وقد نظم كل من العقوق وشهادة الزور بالشرك في آيتين إحداهما قوله {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء: ٢٣] ثانيهما قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[الحج: ٣٠] وقد أخرج النَّسائي والبَّزار، وصححه ابن حبان والحاكم، عن ابن عمر "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاقُّ لوالديه، ومُدْ من الخمر والمنَّان" وأخرج أحمد والنسائي، وصححه الحاكم عن عبد الله بن عمرو، نحوه، إلا أنه قال "الديوث" بدل "المنان" والديوث، بفتح الدال المهملة وتشديد التحتانية بوزن فروخ، هو الذي يقر الخبث في أهله.
وقوله:"فما زال يكررها" يعني في مجلسه ذلك، والضمير يعود على الكلمة الأخيرة، وهي قول الزور، وقوله:"حتى قلنا: ليته سكت" أي: