شفقة عليه، وكراهية لما يزعجه، وفيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه صلى الله تعالى عليه وسلم والمحبة له، والشفقة عليه.
وقوله في الحديث "أكبر الكبائر" ليس على ظاهره من الحصر، بل فيه "من" مقدرة فقد ثبت في أشياء أخر أنها من أكبر الكبائر، منها حديث أنس عند المصنف حيث عد فيه "قتل النفس" وحديث ابن مسعود عنده أيضًا "أيُّ الذنب أعظم"؟ فذكر فيه "الزنى بحليلة الجار" وحديث عبد الله بن أُنيس الجهنيّ مرفوعًا قال: من"أكبر الكبائر" فذكر منها "اليمين الغَمُوس" أخرجه التِّرمذي بسند حسن، وله شاهد عند أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وحديث أبي هريرة، رفعه، أن عن أكبر الكبائر "استطالة المرء في عرض رجل مسلم" أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن، وحديث ابن عمر رفعه، "أكبر الكبائر سوء الظن بالله" أخرجه ابن مَرْدَويهِ بسند ضعيف، وحديث بُرَيدة رفعه، من أكبر الكبائر، فذكر منها "منع فضل الماء" و"منع الغسل" أخرجه البّزار بسند ضعيف، ويقرب من هذا حديث أبي هريرة "ومن أظلم ممن يخلق كخلقي" أخرجه المصنف في اللباس وغيره، وحديث عائشة "أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم" أخرجه الشيخان. وحديث عبد الله بن عمرو عند المصنف "من أكبر الكبائر أن يسب الرجل أباه" ولكنه من جملة العقوق.
قال ابن دقيق العيد: يستفاد من قوله "أكبر الكبائر" انقسام الذنوب إلى كبير وأكبر، ويستنبط منه أن في الذنوب صغائر وكبائر، وقد اختلف السلف فذهب الجمهور إلى أن من الذنوب كبائر وصغائر، وشذت طائفة، منهم أبو إسحاق الإسْفراينيَّ، فقال: ليس في الذنوب صغيرة، بل كل ما نهى الله عنه كبيرة، ونقل ذلك عن ابن عباس أخرجه عنه إسماعيل القاضي والطبري بسند صحيح، على شرط الشيخين، وحكاه القاضي عياض عن المحققين. واحتجوا بأن كل مخالفة لله فهي، بالنسبة إلى جلاله كبيرة. ونسبه ابن بَطّال إلى بعض الأشعرية، فقال: انقسام الذنوب إلى صغائر