للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكبائر، وهو قول عامة الفقهاء، وخالفهم من الأشعرية أبو بكر بن الطَّيب وأصحابه، فقالوا: المعاصي كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها صغيرة، بالإضافة إلى ما هو أكبر منها، كما يقال: القُبْلة المحرمة صغيرة بإضافتها إلى الزنا وكلها كبائر.

قالوا: ولا ذنب عندنا يغفر واجبًا باجتناب ذنب آخر، بل كل ذلك كبيرة، ومرتكبه في المشيئة غير الكفر، لقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] وأجابوا عن الآية التي احتج أهل القول الأول بها، وهي قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: ٣١]. أن المراد الشرك. وقال الفراء: من قرأ كبائر، فالمراد بها كبير، وكبير الإثم هو الشرك، وقد يأتي لفظ الجمع والمراد به الواحد، كقوله تعالى {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: ١٠٥]. ولم يرسل إليهم غير نوح. قالوا: وجواز العقاب على الصغيرة، كجوازه على الكبيرة، قال النّوويّ: قدّ تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة إلى القول الأول. وقال الغزالي في "البسيط": إنكار الفرق بين الصغيرة والكبيرة لا يليق بالفقيه, وقد حقق إمام الحرمين المنقول عن الأشاعرة واختاره، وبين أنه لا يخالف ما قاله الجمهور فقال في "الإرشاد" المرضيُّ عندنا أن كل ذنب يُعصى الله به كبيرة، فرب شيء يعد صغيرة بالإضافة إلى الأقران، ولو كان في حق الملك لكان كبيرة، والرب أعظم من عُصي، فكل ذنب بالإضافة إلى مخالفته عظيم، ولكن الذنوب وإن عظمت فهي متفاوتة في رتبها، وظَنَّ بعض الناس أن الخلاف لفظي، فقال: التحقيق أن للكبيرة اعتبارين، فبالنسبة إلى مقايسة بعضها لبعض فهي تختلف قطعًا، وبالنسبة إلى الآمر الناهي، فكلها كبائر. والتحقيق أن الخلاف معنوي، وإنما جر إليه الأخذ بظاهر الآية، والحديث الدال على أن الصغائر تكَفَّر باحتناب الكبائر.

وقال القرطبي: ما أظنه يصح عن ابن عباس أن كل ما نهى الله عز

<<  <  ج: ص:  >  >>