للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منسوخة. وقد قال القرطبيّ: إن الكتابيَّ الذي يضاعف أجره مرتين، هو الذي كان على الحق في شرعه عقدًا وفعلًا إلى أن آمن بنبينا, صلى الله تعالى عليه وسلم، فيؤجر على اتباع الحق الأول والثاني.

ويشكل عليه أنه، عليه الصلاة والسلام، كتب إلى هرقل "أسْلِم يؤتكَ الله أجرك مرتين" وهرقل كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل، وقد مر في حديث أبي سفيان في بدء الوحي استنباط شيخ الإِسلام البَلْقِينيّ منه أنَّ كل من دان بدين أهل الكتاب، كان في حكمهم في المناكحة والذبائح، لأن هرقل وقومه ممن دخل في النصرانية بعد التبديل، وقد قال له ولقومه "يا أهل الكتاب" فدل على أن لهم حكم أهل الكتاب الخ.

وقال الداوديّ، ومن تبعه: يحتمل أن يتناول جميع الأمم فيما فعلوه من خير، كما في حديث حكيم بن حزام: "أسلمتَ على ما أسلفتَ من خير" وهو متعقب بان الحديث مقيد بأهل الكتاب فلا يتناول غيرهم إلا بقياس الخير على الإيمان، وأيضًا فالنكتة في قوله "آمن بنبيه" الِإشعار بعلية الأجر، أي أن سبب الأجرين الإيمانُ بالنبيين، والكفار ليسوا كذلك. ويمكن أن يقال: الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار أن أهل الكتاب يعرفون محمدًا عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى {يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: ١٥٧]. فمن آمن به واتبعه منهم، كان له فضل على غيره، وكذا من كذبه منهم كان وزره أشد من وزر غيره.

وقد ورد مثل ذلك في حق نساء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، لكون الوحي كان ينزل في بيوتهن، فإن قيل: لِمَ لم يذكرنَ في هذا الحديث، فيكون العدد أربعة. أجاب البلْقِينيّ بأن قضيتهنَّ خاصة بهنّ، مقصورة عليهنّ، والثلاثة المذكورة في الحديث مستمرة إلى يوم القيامة، وهذا مصير منه إلى أن قضية مؤمن أهل الكتاب مستمرة، وهذا هو الصحيح، وما ادعاه الكَرمَاني من اختصاص ذلك بمن آمن في عهد البعثة

<<  <  ج: ص:  >  >>