وفي الحديث الزجر عن ترئيس الجاهل لما يترتب عليه من المفسدة، وقد يتمسك به من لا يجوز تولية الجاهل بالحكم، ولو كان عاقلًا عفيفًا، لكن إذا دار الأمر بين العالم الفاسق والجاهل العفيف، فالجاهل العفيف، أولى لأن ورعه يمنعه عن الحكم بغير علم، فيحمله على البحث والسؤال.
واستدل به أيضًا على جواز خلو الزمان عن مجتهد، وهو قول الجمهور خلافًا لأكثر الحنابلة وبعض من غيرهم, لأنه صريح في رفع العلم بقبض العلماء، وفي ترئيس أهل الجهل ومن لازمه الحكم بالجهل، وإذا انتفى العلم وفي يحكم به استلزم انتفاء الاجتهاد والمجتهد وعورض بحديث "لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله" وقد مر في باب "من يرد الله به خيرًا يفقهْه في الدين" بجميع رواياته. وأجيب أولًا بأنه ظاهر في عدم الخلو، لا في نفي الجواز وثانيًا بأن الدليل للأول أظهر للتصريح بقبض العلم تارة، وبرفعه أخرى بخلاف الثاني، وعلى تقدير التعارض فيبقى أن الأصل عدم المانع.
قالوا الاجتهاد فرض كفاية، فيستلزم انتفاؤه الاتفاق على الباطل، وأجيب بأن بقاء فرض الكفاية مشروط ببقاء العلماء، فأما إذا قام الدليل على انقراض العلماء، فلا لأن بفقدهم تنتفي القدرة والتمكن من الاجتهاد، وإذا انتفى أن يكون مقدورًا لم يقع التكليف به، وقد مر في باب "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" في حديث معاوية، أن محل وجود ذلك عند فقد المسلمين بهبوب الريح، التي تهب بعد نزول عيسى عليه السلام، وموته، فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من الإيمان إلا قبضته إلى آخر ما مر. فلا يرد حينئذ اتفاق المسلمين على ترك فرض الكفاية والعمل بالجهل، لعدم وجودهم، وهو المعبر عنه بقوله "حتى يأتي أمر الله".
ومر هناك ما جوزه الطبري من أنه يضمر في كل من الحديثين المحل الذي تكون فيه تلك الطائفة الخ، وما اعترض به عليه، ويمكن أن تنزل