للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن شيء" وقد وقع نحو ذلك لغير عائشة، ففي حديث حفصة أنها لما سمعت "لا يدخل النار أحدٌ ممن شهد بدرًا والحديبية" قالت: أليس الله يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: ٧١] ثم اجيبت بقوله {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: ٧٢] الآية.

وسأل الصحابة لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢]: أيّنا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فأجيبوا بأن المراد بالظلم الشرك.

والجامع بين هذه المسائل الثلاث: ظهور العموم في الحساب، والورود والظلم. فأوضح لهم أن المراد في كل منهما أمرٌ خاص، ولم يقع مثل هذا من الصحابة إلا قليلًا، مع توجيه السؤال وظهوره، وذلك لكمال فهمهم، ومعرفتهم باللسان العربي فيحُمل ما ورد من ذم من سأل عن المشكلات، على من سأل تعنتًا، كما قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} [آل عمران: ٧] وفي حديث عائشة عن البخاري "فإذا رأيتم الذين يسألون عن ذلك، فهُم الذين سمّى الله، فاحذروهم" ومن ثم أنكر عمر على ضُبيعٍ لما رآه أكثر من السؤال عن مثل ذلك، وسيأتي إن شاء الله تعالى إيضاح ذلك كله في كتاب الاعتصام.

وقد انتقد الدارقطني إسناد هذا الحديث فقال: رواه حاتم بن أبي صغيرة، عن عبد الله بن أبي مُليكة، فقال: حدثني القاسم بن محمد حدثتني عائشة. وقوله أصح, لأنه زاد، وهو حافظ متقن. وتعقبه النووي وغيره، بأنه محمول على أنه سمع من عائشة وسمعه من القاسم عن عائشة، فحدث به على الوجهين. قال في "الفتح": وقد وقع التصريح بسماع ابن أبي مُليكة له من عائشة في بعض طرقه، كما في الرقاق فانتفى التعليل بإسقاط رجل من السند، وتعين العمل على أنه سمع من القاسم عن عائشة، ثم سمعه من عائشة بغير واسطة، وإن كان مؤداهما واحدًا، وهذا هو المعتمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>