ولفظ الآية دال على أن بعضهم لا يعذب، وطريق الجمع أن المراد بالحساب في الآية العرض، وهو إبراز الأعمال وإظهارها فيُعرَّف صاحبها بذنوبه، ثم يتجاوز عنه. ويؤيده ما أخرجه البَزَّار عن عَبَّاد بن عبد الله بن الزبير، قال: سمعت عائشة تقول: سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن الحساب اليسير، فقال:"الرجل تعرض عليه ذنوبه، ثم يتجاوز له عنها" وفي حديث أبي ذَر عند مسلم "يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه" الحديث. وفي حديث جابر عند أبي حاتم والحاكم "من زادت حسناته على سيئاته، فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب، ومن استوت حسناته وسيئاته فذلك الذي يحاسب حسابًا يسيرًا، ثم يدخل الجنة، ومن زادت سيئاته على حسناته، فذلك الذي أوبق نفسه، وإنما الشفاعة في مثله" ويدخل في هذا حديث ابن عمر المارّ في النجوى.
وروى ابن مردويه عن عائشة مرفوعًا "لا يحاسبُ رجل يوم القيامة إلا دخل الجنة" وظاهره يعارض حديثها المذكور في الباب، وطريق الجمع بينهما أن الحديثين معًا في حق المؤمن، ولا منافاة بين التعذيب ودخول الجنة, لأن الموحد وإن قضي عليه بالتعذيب فإنه لابد أن يخرج من النار بالشفاعة، أو بعموم الرحمة، وقد أخرج أحمد عن عائشة "سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول في بعض صلاته: اللهم حاسبني حسابًا يسيرًا، فلما انصرف، قلت: يا رسول الله، ما الحساب اليسير؟ قال: أن ينظر في كتابه، فيتجاوز له عنه. إنَّ من نوقش الحساب، يا عائشة، يومئذٍ هلك". وفي الحديث ما كان عند عائشة من الحرص على تفهم معاني الحديث وأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، لم يكن يتضجَّر من المراجعة في العلم، وفيه جواز المناظرة، ومقابلة السنة بالكتاب، وتفاوت الناس في الحساب، وفيه أن السؤال عن مثل هذا لم يدخل فيما نُهي الصحابة عنه في قوله تعالى {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ}[المائدة: ١٠١]. وفي حديث أنس "كنُا نهينا أن نسأل رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم،