للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مما يحدث به المرء نفسه، الذي هو من أضغاث الأحلام؟ فالجواب أن ذلك لا يصح, لأن الاجتماع بين الشيئين يقظة ومنامًا لابد له من وجود اتحاد بينهما، وحديث المرء نفسه لا يمكن أن تحصل بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام، مناسبةٌ تكون سببًا للاجتماع. وأيضًا النبي، عليه الصلاة والسلام، أعظم عند الله تعالى من أن تكون رؤيته من أضغاث الأحلام.

هذا ما قيل في رؤيته، صلى الله تعالى عليه وسلم، في النوم، وأما رؤيته في اليقظة، فلم يرد فيها حديث صحيح ولا ضعيف. وقد أشبعنا الكلام فيها في كتابنا "مشتهى الخارف الجاني" وهو لله الحمد والمنة، مطبوع بأيدي الناس شرقًا وغربًا، فمن أراد الإِطلاع على ما قيل فيها فليراجعه.

تنبيهان.

الأول: في رؤيا الله تعالى في المنام، قال في "الفتح": جوز أهل التعبير رؤية الباري عَزَّ وَجَلَّ في المنام مطلقًا، ولم يجروا فيها الخلاف الذي في رؤيا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم. وأجاب بعضهم عن ذلك بأمور قابلة للتأويل في جميع وجوهها، فتارة يعبر بالسلطان، وتارة بالوالد، وتارة بالسيد، وتارة بالرئيس في أي من كان، فلما كان الوقوف على حقية ذاته ممتنعًا، وجميع من يعبر به يجوز عليهم الصدق والكذب، كانت رؤياه تحتاج إلى تعبير دائما، بخلاف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فإذا رؤي على صفته المتفق عليها، وهو لا يجوز عليه الكذب، كانت في هذه الحالة حقًا محضًا لا يحتاج إلى تعبير. ومرّ ما قاله الغزالي والقُشَيْريّ.

الثاني: في الإِلهام. قال في "الفتح": وذكر ابن أبي جَمْرَة ما ملخصه أنه يؤخذ من قوله "فإن الشيطان لا يتمثل بي" أنَّ من تمثلت صورته، صلى الله تعالى عليه وسلم، في خاطره من أرباب القلوب، وتصور له في عالم سره أنه يكلمه، أنّ ذلك يكون حقًا بل ذلك أصدق من مرأى غيرهم، لما منَّ الله به عليهم من تنوير قلوبهم. وهذا المقام الذي أشار إليه هو الإِلهام،

<<  <  ج: ص:  >  >>